وأن لا دوائر مستقلة لكل منهما ولا تناقض بينهما ضمن الدائرة الواحدة، وأن في سعينا وراء المعرفة الدينية، لا بل وراء أي معرفة، علينا أن نبدأ بالعقل ونقتفي خطاه إلى حيث يمكنه إيصالنا، أي إلى أن الله موجود وأن من صفاته وجوب الوجود والمعرفة والإرادة والقدرة والاختيار، والوحدة (٣٠)، وأن الحياة الأخرى كذلك موجودة، وأن مصيرنا فيها يتوقف على أعمالنا الحسنة أو القبيحة، وأن بعض الأمور خير وبعضها شر (٣١). وبالعقل أيضًا يمكننا أن نعرف أن هناك ما يدعى النبوة، وأن هناك أنبياء، وهنا يلتقي خطان من تفكيره: الأول، هو أن هناك بعض الحقائق التي لا يمكننا معرفتها بالعقل، وأن منها ما لا نحتاج إلى معرفته، فالأفضل أن لا نعمل الفكرة فيه. فليس بإمكاننا معرفة أي شيء عن الذات الإلهية، لأن عقلنا ولغتنا البشريين غير كافيين لاكتناه جوهر الأشياء (٣٢)؛ لكن منها ما نحتاج إلى معرفته كي نحيا الحياة الصالحة: كلام الله وبصره وسمعه، وماهية الحياة الأخرى وحسابها وملذاتها وآلامها، وبعض أفعال العبادة التي ترضي الله. وبما أن الإنسان يفكر بمثل هذه الأمور من تلقاء نفسه، ومعرفتها ضرورية للحياة، فوجب أن يكون هناك طريق لمعرفتها غير العقل. والخط الثاني هو أن هناك حقائق يمكن مبدئيًا للعقل معرفتها، لكن معظم الناس لا يعرفونها بالفعل، لأن عقولهم غير كاملة أو لأن الشهوة تسيطر على عقولهم وتضللها.
لهذين السببين يحتاج الناس إلى معونة إلهية كي يعيشوا وفقًا لإرادة الله، معونة يستمدون منها تحديد مبادئ السلوك واتخاذ موقف سليم من الإيمان (٣٣). ويجب أن تأتي تلك المعونة في صورة بشري يفهمه سائر البشر ويستنتجون صدق وحيه الإلهي من كونه أفضل من سائر الناس في الشؤون البشرية. وهذه المعونة هي النبي، أي إنسان يحمل إلى الآخرين رسالة تتعلق بالله وبالحساب وبما ينبغي لهم معرفته عن الشؤون الأخرى.