للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكما أن بإمكان العقل أن يثبت وجود الأنبياء، فبإمكانه أيضًا أن يدلنا إلى النبي الحقيقي وأن يثبت بنوع خاص أن محمدًا نبي حقيقي. أما البراهين على صحة الرسالة النبوية فهي: أولًا، اقتناع النبي وتأكيده بأنه نبي؛ ثانيًا، تواتر قبوله والإيمان به؛ ثالثًا، المعجزات الواضحة التي اجترحها والمشهود له بها بتواتر متصل. فإذا ما طبقنا هذه القواعد على محمد، لم يكن من مجال للشك بنبوته. إذ كيف نفسر أفعاله وتأثيره في التاريخ لو لم يكن الله فاعلًا فيه (٣٤)؟ وكيف نفسر إعجاز القرآن الذي لا يمكن أن يصدر ببهاء لغته وعمق أفكاره عن عقل بشري؟ (٣٥) وهناك أدلة عقلية تثبت دعوى محمد بأنه خاتمة الأنبياء. فسلسلة الأنبياء لا بد أن تنتهي عند حد ما، إذ تكون البشرية جمعاء قد ظفرت بالهداية الضرورية إلى سعادتها (٣٦). وهذا ما تم بنزول الوحي الإسلامي. فقد أرسل محمد عندما كانت البشرية قد نمت نموًا كاملًا وأصبحت قادرة على فهم كل ما كان ضروريًا لها. ومن الممكن البرهان على أن الرسالة التي نقلها محمد تلبي جميع حاجات الطبيعة البشرية وإنها موجهة إلى البشرية جمعاء.

عند هذا الحد يجب على العقل أن يتوقف. فبعد أن يبرهن العقل على أن القرآن يحتوي رسالة إلهية، عليه أن يتقبل كل ما جاء فيه بلا تردد، وبعد أن يعترف بأن محمدًا نبي الله، عليه أن يقبل محتوى رسالته النبوية التي حواها القرآن والأحاديث برمتها، أو بالأحرى الأحاديث الثابتة بالإسناد المتواتر الصحيح. (إذ أن عبده كان يتحفظ كثيرًا في قبول العدد الأكبر منها). فالقرآن والحديث الصحيح يحويان معًا حقائق حول الكون يمكن للعقل نفسه بلوغها، ومبادئ عامة للخلقية الفردية والتنظيم الاجتماعي، وأوامر تقضي بأفعال معينة أو تنهي عن أفعال معينة، كأفعال العبادة خاصة، مما ليس بإمكاننا بدون الوحي معرفة صلاحها أو فسادها. هذه الوصايا الواضحة يجب على جميع المسلمين قبولها بلا تردد، مع العلم بأنها مرتبطة بأحد العلوم العقلية على الأقل وهو علم اللغة العربية (٣٧).

<<  <   >  >>