للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

دين عقلي، يسمح للمسلمين بأن يقتبسوا علوم العالم الحديث بدون اعتناق المذهب المادي أو الخروج على دينهم.

إن المجتمع الأمثل هو الذي يذعن لأوامر الله، ويؤولها تأويلًا عقليًا وفي ضوء المصلحة العامة، ويطيعها بجد، ويحقق وحدته باحترامها. إنه المجتمع الفاضل، لا بل المجتمع السعيد المزدهر والقوي، لأن أوامر الله هي أيضًا مبادئ المجتمع البشري، ولأن السلوك الذي اعتبره القرآن مرضيًا عند الله، هو ذاته ما يعتبره الفكر الاجتماعي الحديث مفتاح الاستقرار والتقدم. إن الإسلام هو علم الاجتماع الحقيقي، علم السعادة في هذا العالم وفي الآخرة على حد سواء. إنه لا يدعو الإنسان إلى الإعراض المسرف عن خيرات هذا العالم، بل على الانتفاع بها بالقسط والاعتدال. وإذن، عندما تفهم الشريعة الإسلامية على حقيقتها وتطاع، يزدهر المجتمع. وهو ينحط عندما يساء فهمها وتهمل (٤٤). وإذا كان الفرد لا يلقى، غالب الأحيان، جزاءه إلا في الحياة الآخرة، فإن الجماعات، صالحة كانت أم فاسدة، إنما تلقى جزاءها في الحياة الدنيا.

هذا هو المجتمع الأمثل، الذي لم يتحقق، في نظر محمد عبده، إلا مرة واحدة من قبل. لذلك نرى مخيلته عالقة بعهد الإسلام الذهبي، الجيل الأول من الطاعة ومن جزاء الطاعة، جيل الفلاح السياسي والنمو الفكري على نحو لا مثيل له في سرعته وكيفية ازدهاره (٤٥). فقد كانت الأمة، أمة السلف الصالح، هي الأمة كما ينبغي أن تكون، وكما بقيت في غضون القرون الأولى. وكلمة السلف لا يستعملها محمد عبده بمعناها الحرفي كمرادف للجيل الأول من صحابة النبي وأتباعه، بل بمعناها الأعم للدلالة على التراث الرئيسي للإسلام السني في عهود ازدهاره. فكبار علماء الكلام في القرنين الثالث والرابع هجري، كالأشعري والباقلاني والماتريدي، هم أيضًا من السلف الصالح (٤٦). وإذا كان هذا المجتمع الأمثل قد انحط في آخر الأمر، فإنما كان ذلك لسببين: الأول دخول الإسلام عناصر

<<  <   >  >>