للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

غريبة عنه. فأدخل الفلاسفة وغلاة الشيعة روح التطرف (٤٧)، كما طمس حقيقة الإسلام الجوهرية نوع معين من التصوف، لا التصوف الحقيقي الذي كان محمد عبده يكن له احترامًا جمًا. فمن الخير أن تكون طاعة المسلمين للشريعة ذات سمة داخلية، كما يدعو التصوف الحقيقي، إلا أن التصوف الذي اعتبره محمد عبده خطرًا على الفكر وعلى السلوك هو ذلك الذي خص الأولياء وكراماتهم بالإجلال فجنح بذلك إلى تحويل الانتباه عن الله وإلى إقامة وسطاء بين الله والناس، وابتدع شعائر خاصة به فخالف ضمنًا أوامر القرآن بشأن الطريقة التي أراد الله أن نعبده بها، وعلم المؤمن أن يهمل واجباته في هذه الدنيا في سبيل الاستعداد المسرف للآخرة، وأخضع التلميذ لإرادة مدربه الروحي فأضعف بذلك نشاط الإرادة الفردية التي هي الأساس الضروري للمجتمع الإسلامي المزدهر، واستعمل اصطلاحات مجازية تنطوي على أخطار خلقية، وسد بعقيدته في «وحدة الوجود» الهوة القائمة بين الله والمخلوقات. لجميع هذه الأسباب، بدا لمحمد عبده أن مذهب المفكرين الصوفيين أمثال ابن العربي وأصحاب الطرق الصوفية إنما يقوض أسس الجماعة. وعندما رأس، في الفترة الأخيرة من حياته، لجنة تشرف على نشر الروائع الكلاسيكية، لم يسمح بنشر «الفتوحات المكية» لابن العربي (٤٨).

ويرى محمد عبده أن الأمة قد انحطت لسبب آخر. هو أن الذين حافظوا على عناصر الإيمان الجوهرية قد أخذوا يفقدون روح التوازن ويتناسون الفرق بين الجوهري وغير الجوهري، فراحوا ينظرون إلى التنظيمات التفصيلية للمجتمع الإسلامي الأول كما لو كانت من قواعد الإيمان يقتضي لهم طاعتها طاعة ثابتة عمياء. وهذا نوع من «التطرف في التمسك بمظاهر الشريعة» (٤٩)، أدى إلى تقليد أعمى، بعيد عن حرية الإسلام الحقيقي، انتشرت عادته بقيام الحكم التركي في الأمة. ذلك أن الأتراك، وهم جدد في

<<  <   >  >>