للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عليهم القيام به دومًا: إعادة تأويل شريعتهم وتكييفها وفقًا لمتطلبات الحياة الحديثة. ولبلوغ هذه الغاية، لا بد من الاهتداء بمبدئين سلم بهما الفقهاء وأعطاهما محمد عبده بعدًا جديدًا: الأول، مبدأ المصلحة، وهو مبدأ أقره، كما أشرنا آنفًا، المذهب المالكي الذي كان محمد عبده ينتمي إليه، وإن كان قد درس الفقه الحنفي في الأزهر. كان هذا المبدأ، تقليديًا، بمثابة قاعدة لتأويل النصوص. فيفترض الفقيه، في شرحه للقرآن والحديث، أن غاية الله من الوحي رعاية مصلحة البشر، فيختار التأويل الذي يحقق هذه الغاية. أما محمد عبده وأتباعه، فقد جعلوا من المصلحة قاعدة لاستنباط شرائع خاصة من المبادئ العامة للخلقية الاجتماعية. فالله لم ينزل، في رأيهم، سوى مبادئ عامة، تاركًا للعقل أمر تطبيقها على قضايا المجتمع الخاصة؛ وبما أن هذه القضايا تتغير، توجب تغيير تطبيق المبادئ عليها. وهكذا جعلوا القاعدة المناسبة لكل زمان مصلحة البشر العامة في ذلك الزمان. أما المبدأ الثاني، فهو مبدأ التلفيق. لقد كان من المسلم به لدى بعض أصحاب الرأي التقليديين، وأن ضمن حدود معينة، أنه يجوز للقاضي، في أي قضية معينة، أن يختار من مذهبه الشرعي أو من مذهب شرعي آخر، التفسير الشرعي الأكثر ملاءمة للظروف. أما محمد عبده، فقد ذهب أبعد من ذلك، فدعا لا إلى الاستعانة بالمذاهب الأخرى في مسائل معينة فحسب، بل إلى مقارنة علمية بين المذاهب الأربعة أيضًا، ناهيك بأحكام الفقهاء المستقلين الذين لم يقبلوا أيًا منها، بغية وضع «مذهب موحد» يؤلف بين العناصر الصالحة في كل منها. وقد تمكن، بوصفه مفتي مصر، من وضع هذه الدعوة موضع التنفيذ. كان مضطرًا، كلما طلبت الحكومة المصرية منه فتوى، أن يصدرها وفقًا للمذهب الحنفي. غير أنه كان يفتي بحرية أوسع كلما استفتاه فرد من الناس، كما فعل، مثلًا، عندما أرسل إليه مسلم هندي يسأله إذا كان يجوز للمسلمين التعاون مع غير المسلمين في القيام بالمشاريع الخيرية.

<<  <   >  >>