للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فالتمس، أولًا، من مشايخ المذاهب الأربعة في الأزهر فتوى مذاهبهم في هذه المسألة، ثم أصدر، في ضوئها وبالرجوع إلى القرآن والحديث وسنة العهود الأولى، فتواه الخاصة (٥٢).

لم يغرب عن بال محمد عبده أن من المستلزمات المنطقية لهذه الطريقة إنشاء نظام موحد وعصري للشريعة الإسلامية. وقد اتخذ بالفعل، في كتاباته وفي قراراته كمفتي، الخطوة الأولى في هذا السبيل. كان نطاق الآراء التي أبداها والقرارات التي اتخذها واسعًا، فشمل تقريبًا جميع حقول الشريعة والخلقية الاجتماعية: هل يجوز للمسلمين لبس القبعة الأوروبية؟ وهل يجوز لهم أكل ذبيحة النصارى واليهود؟ وهل تجيز الشريعة رسم الصور البشرية؟ وهل تعدد الزوجات محمود، خلقيًا، أو مذموم؟ وقد أطلق، بفتاويه هذه، نزعة ظلت مستمرة في مصر بعد وفاته، حتى حققت بعض ما كان يرجوه. فمنذ ١٩٢٠، توالت القرارات الرسمية تحدد وتعدل الشرائع الإسلامية التي كان من سلسلة اختصاص المحاكم تطبيقها. وقد وجد هذا العمل ما يبرره، بالنسبة لمفاهيم الإسلام السني، في الحق الذي منحته الشريعة للحاكم الزمني في تحديد الشؤون الواقعة ضمن اختصاص قضاة الشرع، كما وجده في مبدأ التلفيق. إلا أن تطبيق مبدأ التلفيق كان من الشمول بحيث استحال على الفقهاء السنيين الرضى عنه، إذ وضعت بموجبه تفسيرات للشريعة اقتضتها حاجات العصر لم يكن لها سند في المذهب الحنفي، حتى ولا في أي مذهب من مذاهب الشرع الأربعة. وهكذا نشأ ما هو في الواقع النظام الحديث والموحد للشريعة الإسلامية. لكن هذا لا يصح إلا على شؤون الأحوال الشخصية، كالزواج والطلاق والإرث، التي تركتها القوانين الحديثة في رعاية الشريعة. أما في الشؤون الأخرى، فقد بقي التيار الذي أراد محمد عبده تحويله، سائرًا في مجراه التقليدي الأول. فكانت المحاكم المدنية تطبق القوانين المدنية والجزائية المستمدة من نماذجها الأوروبية والصادرة عن سلطة

<<  <   >  >>