الدولة. ومع أن القانون المدني الصادر في ١٩٤٨ قد ذكر أن الشريعة مصدرًا للقوانين، غير أنها لم تكن المصدر الأوحد، بل كانت هناك مصادر أخرى، كالعدل الطبيعي والعرف، فضلًا عن أننا لا نجد لها، في مجموعة القوانين، إلا أثرًا ضئيلًا. وفي آخر الأمر، ألغيت المحاكم الدينية في ١٩٥٦، وأحيلت شؤون الأحوال الشخصية إلى المحاكم المدنية، على أن تطبق بشأنها الشريعة كما عدلتها القوانين (٥٣).
وبما أن إصلاح الشريعة لا يتم فعالًا ما لم يكن هناك فقهاء مدربون على تفسيرها وتطبيقها لذلك اقتضى إصلاح نظام التربية الدينية. لقد عبر محمد عبده عن رأيه بإسهاب في هذا الموضوع في رسالة كتبها عند إقامته في بيروت. ففيها يوضح أنه من الضروري اختلاف وجوه التربية الدينية باختلاف طبقة المجتمع. فتلقن العامة الخطوط الرئيسية لمبادئ العقيدة دون التطرق إلى الخلافات بين الفرق، وطرفًا من تاريخ الإسلام يعلل فيه انتشار الإسلام وتحقيق فتوحاته بهذه السرعة. ويلقن المعدون للمراكز الحكومية المنطق، والفلسفة، والعقيدة مع التشديد على إثباتها بالأدلة العقلية والحث على تجنب الخلاف بين مختلف المذاهب، وعلم الأخلاق مع التشديد نفسه على مستنداته العقلية، ودراسة سير حياة السلف الصالح والتاريخ الديني. أما المعدون للتدريس والتوجيه الروحي، فيجب أن يتمرسوا تمرسًا كاملًا بالعلوم الدينية. فيتقنوا، أولًا، علوم اللغة العربية؛ ثم القرآن مع شروح له تأخذ بعين الاعتبار العادات والتقاليد واللغة وأساليب التفكير لدى العرب في حقبة نزوله بحيث يسهل التمييز بين جوهر الوحي وعرضه؛ والحديث النبوي على أن يقتصر منه على ما كان ثابتًا؛ ثم نظام الأخلاق بكامله، كإحياء علوم الدين للغزالي؛ فضلًا عن علم الكلام، والفقه، مع العناية بما يمكن استنباطه شرعيًا من النصوص، وعلوم الإقناع، والجدل، والتاريخ القديم والحديث، على أن يشتملا لا على حقبة الأمجاد الإسلامية فحسب؛ بل على عهود الانحطاط أيضًا مع تبيان أسباب ذلك (٥٤).