فيما بعد، يدافع عن فكرة استعادة العرب زعامة الأمة من يد الأتراك، مما يتضمن القول بأن زوال الإمبراطورية العثمانية أمر محتوم ومرغوب فيه معًا. ومن المستبعد أن يكون محمد عبده على استعداد لقبول مثل هذا القول. غير أن الكتاب يحتوي أيضًا على شرح لطبيعة الأمة الإسلامية والسبيل إلى إصلاحها. وهذا ما يمكن اعتباره وصفًا صادقًا للأفكار المتداولة في حلقة محمد عبده في ذلك الوقت.
إن نقطة الانطلاق في الكتاب هي بالضبط نقطة انطلاق محمد عبده في كتاباته: أن الأمة الإسلامية في انحطاط ويجب إصلاحها من الداخل، وتبني المؤسسات الأوروبية بحد ذاته لن يحقق هذا الإصلاح: فالتنظيمات «لم تنجم عن الدين أو بواسطته، كما كان ينبغي أن يحدث، بل جاءت تحديًا له ... وجميع التغييرات التي يحاولون إجراءها على هذا النحو مكتوب لها الإخفاق بسبب عنصر اللاشرعية اللاحق جوهريًا»(٥٧). أما الحركة الوهابية، فكانت أقرب ما يكون إلى الإصلاح، لأنها عالجت القضية من جذورها، وذلك بانصبابها على إصلاح الأخلاق والعقيدة وبالعودة إلى الأمور الأساسية في الإسلام. والأساسي في الإسلام إنما هو تلك المجموعة من العقائد المتفقة مع متطلبات العقل البشري. وما الشريعة إلا التطبيق العقلي لهذه المبادئ على أحوال العالم المتبدلة. فما نفتقر إليه اليوم إنما هو إعادة تفسير الشريعة لنتمكن من اقتباس ما كان صالحًا من الأخلاق الأوروبية، كإلغاء الرق مثلًا، ومنح المساواة أمام القانون للمسيحيين القاطنين البلدان الإسلامية. لكن كيف يمكن لهذه العملية أن تتم بدون الخروج على الشرع؟ فالشريعة لا يمكن تغييرها، ما لم يكن هناك سلطة تغيرها. لذلك كان من الضروري بعث الخلافة الصحيحة، على أن يكون لها وظيفة روحية وتكون وحدها متمتعة بالسلطة الروحية. وعلى الخليفة أن يكون المجتهد الأكبر، على حد تعبير تلميذ محمد عبده، رشيد رضا. وعليه أن يكتسب احترام الأمة، لا أن يحكمها، إذ أن وحدة