للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأمة هي وحدة معنوية لا يؤثر فيها انقسام الأمة إلى دول قومية. ويقترح محمد عبده، في إحدى المناسبات، أن يكون للأمة المصرية رئيس يحكم تحت إشراف الخلافة الدينية (٥٨).

كان محمد عبده مصريًا متأصل الجذور في تقاليد بلاده. لذلك احتل العنصر القومي، منذ البدء، مركزًا مهمًا في تفكيره، حتى إن أول مقالة نشرت له في الأهرام تحدثت عن الماضي العظيم «لمملكة مصر» (٥٩). وكان يشعر دومًا بأن التاريخ والمصالح المشتركة بين الذين يعيشون في البلد الواحد تخلق رابطة عميقة فيما بينهم بالرغم من اختلاف الأديان. وقد أثر شعوره بأهمية الوحدة في نظرته إلى الإصلاح الإسلامي، كما أثر أيضًا في نظرته إلى الأمة. فكان يعتقد أن الوحدة ضرورية في الحياة السياسية؛ وأن أقوى نوع من أنواع الوحدة إنما هو وحدة الذين ينتمون إلى البلد الواحد، أي ذلك المكان الذي لا يعيشون فيه فحسب، بل يجدون فيه أيضًا مجالًا لممارسة حقوقهم وواجباتهم العامة وموضوعًا لمحبتهم وعزتهم (٦٠)؛ وأن انتساب غير المسلمين إلى الأمة لا يقل أصالة عن انتساب المسلمين أنفسهم إليها؛ وأنه يجب أن تقوم علاقات طيبة بين أبناء الأديان المختلفة (عندما هاجمت الصحافة الوطنية بطرس غالي، وهو قبطي كان يومذاك نائب وزير العدل، تدخل محمد عبده ليبين أن انتقاد الشخص على عمل أتاه يجب أن لا يتحول إلى هجوم على جماعة بكاملها) (٦١)؛ وأن من واجبات المسلمين أن يتقبلوا مساعدة غير المسلمين لهم في شؤون الخير العام. فحين سأله مسلم هندي هل كانت مثل تلك المساعدة جائزة، إجابه بالإيجاب، مثبتًا ذلك بالاستشهاد بالقرآن والحديث وسنة السلف (٦٢).

كان للأمة المصرية إذن، في اعتقاد محمد عبده، كيان مستقل. لكنها كانت، كالأمة في مجموعها، في حالة انحطاط داخلي، ولم يكن بإمكانها أن تأمل في حكم ذاتها قبل أن تصلح نفسها. وكان مثل محمد عبده الأعلى في الحكم قريبًا من المثل الأعلى لدى فقهاء القرون

<<  <   >  >>