للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإسلامية ما دام المسلمون متخلفون تقنيًا. إذ أن المهارة التقنية في متناول الجميع، واكتسابها يتوقف على بعض الملكات الخلقية والمبادئ العقلية. فإذا اكتسب المسلمون هذه الملكات والمبادئ، تمكنوا بسهولة من اكتساب المهارة التقنية. وعل كل، فإن هذه العادات والمبادئ موجودة في الإسلام (١٤).

ما هي إذن تلك المبادئ المشتركة بين الإسلام والمدنية الحديثة؟ يقول رشيد رضا إنها السعي قبل كل شيء. فالجهاد الإيجابي هو جوهر الإسلام. وهذا هو معنى كلمة «الجهاد» في مفهومها الأعم (١٥). والأوروبيون يتصفون بهذه الحيوية أكثر من سواهم في العالم الحديث، ولهذا تمكنوا من اكتساح العالم. فهم مستعدون لبذل حياتهم ومالهم في سبيل أمتهم، فيخلصون لها ذلك الإخلاص الأعمى الذي يشكل أساس قوة الأمم (١٦). لكن المسلمين كانوا هكذا، ويمكنهم العودة إلى ما كانوا عليه، وإن بطريقة مختلفة. فالأوروبيون نشيطون وناجحون، لأنهم تخلوا عن دينهم اللادنيوي واستعاضوا عنه بمبدأ الوطنية. أما المسلمون، فبوسعهم أن يجدوا مبدأ الوحدة والولاء هذا في دينهم نفسه. إذ أن ميزة الإسلام الثانية، إلى جانب السعي والجهاد، هي أنه أنشأ جماعة واحدة ليست، على غرار الكنيسة، مجموعة من الناس يربطهم الإيمان والعبادة لكن تفرقهم خصائصهم الطبيعية، بل جماعة بكل معنى الكلمة. فتاريخ الخلافة الطويل، وانتشار ثقافة مشتركة، وقرون من الاحتكاك والزواج المختلط، قد أنشأ أمة هي كنيسة و «أمة» في آن واحد، تجمعها وحدة الدين والشريعة، والمساواة. وتبادل الحقوق والواجبات، كما تجمعها أيضًا روابط طبيعية، وبالأخص رابطة اللغة، إذ أن اللغة العربية هي وحدها لغة التقوى والعقيدة والشريعة أينما وجد الإسلام (١٧).

لا سبيل، إذن، إلى المبالغة في وصف أهمية الوحدة وعار الانقسام، في نظر رشيد رضا وأقرانه من الكتاب. إلا أنهم، عندها

<<  <   >  >>