يتحدثون عن الوحدة، لا يعنون الوحدة القائمة على الشعور أو التقاليد فقط. فهم يعلمون حق العلم، كما كان يعلم الأفغاني، كم هي مؤقتة ومتقلبة تلك الوحدة الشعورية الصرف، وكم تكون خطرة إذا كانت ثابتة. وهم لا يعنون أيضًا أن على الوحدة أن تتجسد بالضرورة في شكل دولة إسلامية واحدة. وسنرى فيما بعد نوع الوحدة السياسية التي كان رشيد رضا يراها ممكنة. لكنهم يعنون بالوحدة الإسلامية، جوهريًا، وحدة القلوب بين المؤمنين العائشين معًا في تساهل متبادل، والتعاون الإيجابي بين الجميع على تنفيذ وصايا الدين. وهذه الجماعة القائمة على هذا الأساس تستمد سلطتها من الله، بشهادة الحديث القائل:«لن تجمع أمتي على خطأ». أما ممارسو السلطة فيها، فهم «أهل الحل والعقد». وهي عبارة غامضة قد تعني، إجمالًا، أولئك المسؤولين عن وحدة الأمة واستمرارها، أو بتعبير أدق، علماء الشريعة وأصحاب السلطة السياسية.
لكن الوحدة مرتبطة، ضرورة، بالحقيقة. فلا يمكن أن يكون اتفاق حقيقي بين المسلمين ما لم يكونوا كلهم متفقين على الحقيقة، والعكس بالعكس. فالاتفاق هو علامة الحقيقة. وامتلاك الحقيقة هو، في اعتقاد رشيد رضا، الميزة الثالثة والأساس الأثبت للإسلام. والإسلام الحق هو ما أعلنه النبي والسلف الصالح، وهو نظام من العقائد والمعاملات بسيط نسبيًا ومن السهل فهمه، حواه القرآن والحديث وسنة النبي وأصحابه. وقد أنزل بكامله في أيام النبي الذي أعلن في حجة الوداع:«اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا». وعلى هذا، فإن إسلام السلف الصالح هو إسلام الجيل الأول الذي عرف النبي، وأن الإجماع الوحيد المقبول هو إجماع ذلك الجيل (١٨).
هنا نلحظ ابتعادًا عن تعاليم محمد عبده. وهو ابتعاد يدل على عقلية رشيد رضا وطريقته في التفكير. فعندما تحدث محمد عبده عن السلف