للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصالح، كان يعني، إجمالًا، منشئي التقليد الأساسي للفكر والتقوى الإسلاميين من عهد النبي حتى الغزالي. وقد اكتفى، إما للغموض في بعض مفاهيمه، وإما لحسه الشديد بما للوحدة من أهمية فائقة، ببناء جهاز فكري موحد من عناصر كان من الممكن أن يظهر التناقض بينها، فيما لو دفع بأي منها إلى نتائجه المنطقية. أما رشيد رضا فقد كان يتحلى، فضلًا عن روحية التلميذ، بقوة عقلية ووضوح فكري جعلاه، بالرغم من إلحاحه على الوحدة، أقل ليونة من محمد عبده في التعبير عن أفكاره وأكثر تعصبًا لها. لذلك نجد النزعة السنية أبرز في تفكيره منها في تفكير محمد عبده، أو تفكير جمال الدين الأفغاني (الذي كان على الأرجح، شيعيًا، كما رأينا سابقًا). وكان يعتقد أن الوحدة بين السنة والشيعة ضرورة ماسة، وأن من المكن تحقيقها على قاعدتين: الأولى أن تتعاون الطائفتان على ما يتفقان عليه، وأن تعذر إحداهما الأخرى في ما يختلفان فيه. والثانية أنه إذا تهجم أحد من إحدى الطائفتين على الطائفة الأخرى فالواجب أن يتولى الرد عليه من هم من طائفته (١٩).

إنها لعواطف نبيلة ولا ريب. لكن ما كان أسرع رشيد رضا، عند وقوع الخلاف، أو إدراكه تعذر تحقيق الوحدة، إلى إلقاء اللوم على الشيعيين واتهام زعمائهم بالبواعث الدنيئة. فزعم أن أكثر البدع والخرافات إنما جاءت من غلاة الشيعة (٢٠)، وأن زعماءهم كانوا يعرقلون الوحدة بسبب تهافتهم على المال والجاه العريض، وأن الشيعة نفسها قد انبثقت عن خلاف عقائدي لم يكن قائمًا في عهد السلف الصالح، بل أثارته خصوصًا دسائس معتنقي الإسلام الأول من اليهود، كما شاع عند علماء الكلام من الأقدمين. فلا عجب، إن كانت علاقة رشيد رضا بالكتاب الشيعيين لا تخلو من التوتر.

لقد فسر رشيد رضا المذهب السني تفسيرًا مستمدًا من الحنبلية المتزمتة التي كانت سائدة في سوريا، خصوصًا دمشق، أكثر منها في مصر. ومع أنه خالف ابن تيمية في بعض النواحي، فقد لا يقل ما

<<  <   >  >>