استقاه من تآليفه التي نشر بعضها في «المنار» عما استقاه من تعاليم الغزالي. وهذا العطف على الحنبلية هو ما حمله، في ما بعد، على الاندفاع في تأييد انبعاث الوهابية في أواسط الجزيرة العربية، وسياسة زعيمها عبد العزيز بن سعود، مرحبًا بفتح الوهابيين للحجاز، ومبرئًا إياهم من تهمة الخروج على الدين، معلنًا أن عقيدتهم سنية صرف ودينهم دين المسلمين الأولين. فهم، وإن قاوموا كل فكرة تضع محمدًا في مرتبة فوق البشر، يعتبرون رتبة محمد بين البشر أعلى الرتب. وهم، فيما يختص بالأولياء، لا يعارضون الفكرة القائلة بأن هؤلاء اجترحوا أعمالًا خارقة، وإنما يعارضون جهل الجهلاء الذين يخصونهم بالتعبد الذي لا يجوز إلا الله وحده (٢١). ورأى رشيد رضا أن ابن سعود يكاد يكون أفضل من حافظ على المبادئ الجوهرية للسنة ودافع عنها بعد الخلفاء الأربعة الأولين (٢٢). وهو في هذا القول لم يسلم من تلميح أعدائه إلى أنه باع نفسه من ابن سعود. وقد رد على ذلك بأن ما حمله على التخلي عن رأيه الأول في أن الوهابية بدعة إنما هو القراءة والتفكير، وإنه لم يتصل بابن سعود إلا فيما بعد، وأن هذا الاتصال نفسه لم يكن إلا على مستوى سياسي، وكجزء من خطة ترمي إلى تحقيق اتحاد بين زعماء العرب يقف سدًا في وجه التدخل الأجنبي (٢٣).
أما بصدد التطور اللاحق للفكر الصوفي وكيفية ممارسته في الإسلام السني، فقد حذا رشيد رضا حذو محمد عبده في استنكاره، كما حذا حذوه في التمييز بين التصوف الصحيح والتصوف المزيف. فرأى أن من الضروري للمسلم أن يضيف إلى العقيدة السليمة والأعمال الصالحة التي تقتضيها الشريعة شيئًا آخر هو «الصدق والإخلاص والأخذ بالعزائم ومحاسبة النفس»(٢٤)، على أن لا يؤدي ذلك إلى الخروج على حقائق الدين وإلى عبادات لا تؤيدها الشريعة. فمثل هذا التصوف ينطوي على أخطار روحية. ذلك أن الإغراق في الاستسلام لإرادة الشيخ يصبح حاجزًا بين النفس والله، كما قد تؤدي الطقوس