الروحية التي ابتدعتها الطرق الصوفية إلى إهمال أشكال العبادة التي أمر الله بها صراحة في القرآن، ناهيك بعادة استحضار الأرواح التي تنطوي على أخطار عقائدية. كان من المعقول أن يوافقه الإمام محمد عبده على مثل هذه الانتقادات؛ غير أن رشيد رضا كان يشك في بواعث المتصوفين. فقال: مرددًا صدى ما دار من جدل سابق، بأن هذا النوع من التصوف قد دخل الإسلام على يد جماعة من الزرادشتين «لإفساد دين العرب وتقويض دعائم ملكهم بالشقاق الداخلي لتتمكن تلك الجمعيات بذلك من إعادة ملك المجوس وسلطان دينهم اللذين أزالهما العرب بالإسلام»(٢٥).
وكان رشيد رضا ورفاقه ينتقدون الصوفيين أيضًا لاعتبارات عملية. فهم، في نظرهم، لا يضعفون المجتمع فحسب، بل يشكلون خطرًا على الدين أيضًا، إذ أنهم يهملون واجباتهم في هذه الدنيا بانصرافهم إلى أمور لا قيمة لها (٢٦)، ويفسدون الإسلام بإظهاره بمظهر دين الخضوع الأعمى لا دين القوة والسعي. زد على ذلك أن احتفالاتهم تفسح المجال للسكر وتعاطي المخدرات وأنواع أخرى من الموبقات (٢٧).
إلا أن إلحاح رشيد رضا على طبيعة الإسلام التي لا تتغير لا يعني تصلبًا في تفكيره. إذ أنه يميز، على غرار الحنبلين، بين ما هو جوهري في الإسلام وبين ما هو عرضي. فهو يقر بالفارق بين ما نص عليه القرآن والحديث الصحيح وبين تلك العادات والتقاليد التي نشأت وتراكمت حولهما. كما يقر بالفارق بين أفعال العبادة وبين الأفعال الخلقية، بين الأفعال التي تتصل بالله وبين الأفعال التي تتصل بالناس. فالأولى قد وضعت بشكلها النهائي الكامل في القرآن والحديث ولا يمكن تعديلها أو الإضافة إليها. وإجماع الجيل الأول، أي إجماع أولئك الذين عرفوا النبي وسمعوا كلماته، ملزم بحقها. وهذا ينطبق أيضًا على العادات الدينية الشخصية التي لا تقع تحت أي موجبات دينية معينة ولا تؤثر على العلاقات مع الآخرين. إذ من الأفضل، إجمالًا، أن يقتدي المسلمون اليوم