بسنة المسلمين الأول كما أوردها الحديث، لما في ذلك من تقوية لأواصر الجماعة. غير أن من واجب المسلمين أن يقوموا بذلك من تلقاء أنفسهم، بفعل عفوي صادر عن وجدانهم. وليس لأحد الحق في إكراههم على ذلك (٢٨). أما مجموعة العلاقات البشرية فلم تضبطها ولا يمكن أن تضبطها نصوص صريحة. فإذا وجد بشأنها مثل هذه النصوص، وكانت دقيقة صريحة لا إشكال فيها، فلا مجال للأخذ والرد فيها وعلى الناس أن يتقيدوا بها. غير أنه لا بد من إضافة شرطين. الأول هو أنه عندما يتعارض نص خاص مع نص عام يتضمن مبدأ خلقيًا عامًا، كمبدأ «لا ضرر ولا ضرار» أو كمبدأ «الضرورات تبيح المحظورات»، فمن الواجب ترجيح العام على الخاص (٢٩). والثاني هو أنه عندما تجابهنا مسائل لم يرد بها نص قط، أو ورد بها نص غامض أو مشكوك في صحته، فيجب اللجوء إلى العقل البشري لمعرفة ما هو أكثر انسجامًا مع روح الإسلام. وعلى العقل أن يهتدي، في عمله هذا، بمبدأ المصلحة، مفسرًا على ضوء المبادئ العامة الواردة في القرآن والحديث.
لقد رأينا أن مبدأ المصلحة لم يكن جديدًا على الفقهاء المسلمين. وها أن رشيد رضا يستشهد، في دعمه لهذا المبدأ، بابن قيم الجوزية وبابن تيمية وسواهما. لكنه يذهب، في بعض النواحي، أبعد من معلميه، فيصرح تصريحًا بما تضمنته كتاباتهم تضمينًا. فالمصلحة كانت، وفقًا للفكر التقليدي، مبدأ ثانويًا، أي مبدأ إرشاد في عملية القياس، لا بديلًا عن القياس نفسه. أما لدى رشيد رضا، فإنها تكاد تصبح هي نفسها المبدأ الإيجابي الحاسم عوضًا عن القياس. كما أن الأوامر والنواهي، سواء كانت عامة أم خاصة، تتخذ لديه طابعًا سلبيًا، فتصبح مجرد حدود يجب على العقل أن لا يعمل إلا ضمن نطاقها. إن هذا الرأي من شأنه أن يفضي إلى نتائج خطيرة، نظرًا لتغير المصالح بتغير الأحوال. فكأنما رشيد رضا أراد أن يقول، من وراء ذلك، أن ليس هناك في الشؤون الخلفية الاجتماعية من