الرابطة الوطنية أو الجنسية هي أساس القانون الإسلامي، فهدموا بذلك الأساس الخلقي للمجتمع (٥٣). على أن فريقًا وسطًا قام بين الطرفين هو «حزب الإصلاح الإسلامي المعتدل، الجامع بين الاستقلال في فهم فقه الدين وحكم الشرع الإسلامي وكنه الحضارة الأوروبية»(٥٤). هذا الحزب الذي يقبل بالتغييرات الضرورية على أن يربطها بمبادئ صالحة، ويوفق، بتعبير آخر، بين التغيير من جهة، وصيانة أساس الأمة الخلقي من جهة أخرى. لكن قيام مثل هذا الفريق غير ممكن إلا إذا كان قويًا، أي إذا كان متحدًا. والاتحاد سهل في عالمنا الحديث أكثر منه في أي يوم مضى، وما ذلك إلا لتحسين المواصلات التي تمكن أصحاب الآراء المتشابهة من التلاقي. حتى أن الإجماع الحقيقي أصبح اليوم ممكنًا، إذ غدا من الممكن، للمرة الأولى، أن يجتمع جميع علماء العصر في مكان واحد (٥٥).
وماذا يمكن عمله فيما لو تحقق هذان الشرطان؟ كان رشيد رضا يعتقد أن هناك سبل عدة لإقامة «خلافة الضرورة» المؤقتة، كأن يبايع حكام الجزيرة العربية خليفة من بينهم، وعلى وجه التفضيل، إمام اليمن الذي كان حائزًا على معظم الخصائص المطلوبة؛ أو أن تأخذ مصر المبادرة في تعيين الخليفة، إذ أن البلدان العربية الأخرى ميالة إلى السير وراء القاهرة؛ أو أن يقتنع الأتراك بضرورة الاستعاضة عن خلافتهم الوهمية بخلافة أكثر جدية. ثم إن تعيين مركز الخلافة أمر مهم كيفما كانت طريقة إقامتها. فيرى رشيد رضا أن هذا المركز لا يمكن أن يكون في الحجاز، لأن حاكمها خاضع لحكم أجنبي من جهة، ولسبب أخلاق الملك وعائلته من جهة أخرى (وسنعود إلى هذا فيما بعد)؛ ومن الصعب أيضًا أن يكون في تركيا، لسبب موقف الحكومة من الخليفة ومن اللغة العربية. لكنه من الممكن أن يكون في مركز وسط كالموصل على الحدود بين الأتراك والعرب والأكراد (٥٦). (كان مصير