قد يكون إلحاح مراش على علم حفظ الصحة انعكاسًا لدراسته الطبية في باريس. غير أنه عاش قبل الثورة التي أحدثتها نظريات دارون في التفكير البيولوجي. فكان من نصيب كاتب من الجيل اللاحق، مسيحي سوري وطبيب أيضًا، أن يكون أول من أدخل تلك النظريات إلى العالم العربي، نعني به شبلي الشميل (١٨٥٠ - ١٩١٧)، الذي كان بين المتخرجين الأول من المعهد الطبي التابع للكلية البروتستانتية السورية. ثم تابع دراسة الطب في باريس قبل أن يستقر في مصر، حيث مارس مهنته وكتب مرارًا وتكرارًا في المقتطف ومجلات أخرى من هذا النوع. وقد اهتم أيضًا بالشؤون العامة، ولخص في كتيب موجه إلى عبد الحميد في ١٨٩٦ بعنوان «شكوى وأمل» نظرته إلى ما كانت تفتقر إليه السلطنة العثمانية من علم وعدل وحرية (٥).
كان الشميل يعتقد أن أعظم هذه الأمور شأنًا، لا بل أساسها جميعًا، إنما هو العلم. لقد كان ينتمي إلى تلك الحركة الكبرى التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، والتي كانت تعتبر العلم أكثر من مجرد طريقة لاكتشاف النظام في ترابط الأشياء، إذ كان مفتاحًا لحل لغز الكون، لا بل نوعًا من العبادة. وكان العلم يعني عند الشميل النظام الميتافيزيقي الذي بناه هكسلي وسبنسر في إنكلترا وهاكل وبوخنر في ألمانيا على فرضيات دارون الحذرة. وكان مؤلفه الرئيسي ترجمة شرح بوخنر لأفكار دارون مع ملاحظات وإضافات من عنده. وكان أساس ذلك النظام فكرة وحدة الكائنات. فجميع الأشياء تتكون من المادة بحركة عفوية وجدت منذ الأزل وستبقى إلى الأبد. والأشكال المتكونة، أي المعادن والنبات والحيوان والإنسان، تكون في كل مرحلة أكثر تميزًا بعضها عن بعض وأكثر تعقدًا منها في المرحلة السابقة. وكل مرحلة تنبثق من المرحلة التي سبقتها بدون انفصال، وذلك بفضل قوي ملازمة أصلًا للمادة