للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نفسها، تتخذ بدورها أشكالًا مختلفة باختلاف المستويات، بحيث أن ما يبدأ نورًا يصبح حركة ثم جاذبية ثم رغبة ثم حبًا. والإنسان هو قمة هذا التطور والكائن الأول القادر على السيطرة عليه والمساهمة فيه عن وعي، وذلك بتغيير ظروفه الخارجية وبالاستعاضة عن الصراع من أجل البقاء بالتعاون وتوزيع العمل. وهذا الإنسان لا يزال ساعيًا لبلوغ كماله الذاتي، وتنمية قواه العقلية، والاستعاضة عن النزاع بالتعاون، والإكراه بالتنظيم الإرادي، والرغبة الأنانية في سعادته الخاصة بالسعي وراء سعادة الجميع. إن هذه الرؤيا لتسلسل الكائنات، ولأساس كل الأشياء ومصدرها، وللإنسان كغايتها الأخيرة، قد هزت في الشميل حس الجمال والجلال كما هزت حس أبناء جيله في أوروبا وأميركا. فهو يتساءل قائلًا: هل هناك ما هو أبهج وأنفع من معركة تحول المادة وقواها، والعلم بأن جميع الأشياء بالحقيقة شيء واحد؟ ولم يكن من قبيل الصدفة أنه أطلق على وحدة الطبيعة التعبير المستعمل في علم الكلام الإسلامي للدلالة على وحدة الله: التوحيد (٦).

يعلن الشميل عقيدته بحرارة إيمان المهتدي والثائر معًا. ولا عجب، فقد كان لا يزال لتلك النظرية، يوم ترجم بوخنر في العقد الثامن، وقع الصاعقة. وقد جرى حادث يدل على ذلك قبل بضع سنين في الكلية البروتستانتية السورية، أي بعد بضع سنوات فقط من دراسته فيها. وهو أن أستاذ العلوم الطبيعية فيها ألقى، لمناسبة حفلة المتخرجين لعام ١٨٨٢، خطابًا أبدى فيه تأييده لنظريات دارون، مما حمل معظم زملائه والقيمين على إدارة المعهد على الاستنكار. ثم طرحت القضية على مجلس الأمناء، فصرح الرئيس بأن مجلس الإدارة وهيئة الأساتذة ومجلس الأمناء لا يقبلون قط بأن يقال أو يعلم في المعهد ما يسمى بالدارونية. فما كان من المذنب إلا أن استقال، فقبلت استقالته. وقد شاركه في الاستقالة عدد من المعلمين الآخرين احتجاجًا، كما أبدى بعض طلاب الطب

<<  <   >  >>