للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عطفهم، فطردوا ثم أعيدوا بعد أن طلبوا الصفح والغفران (٧). وقد حفظ مؤرخ الكلية، كما جرى عليه التقليد الشفهي حتى اليوم، صورة عن الحادث يبدو منها أنه كان أشد عنفًا مما روينا، وأنه ترك أثرًا عميقًا في الذين شهدوه. وقد لمح الشميل نفسه إليه (٨) قائلًا إن لا غرابة في أن يثير ذلك الخطاب مثل ردة الفعل تلك، إذ أن دين العلم هو إعلان حرب على الديانات القديمة. وما نشأت المسيحية، في نظره، إلا عن الأنانية، وعن حب السيطرة من قبل رؤساء الدين، وعن رغبة الإنسان العادي في البقاء الفردي. وليس ما يحرر الإنسان من نير الأنانية سوى إدراك فكرة وحدة المادة والإقرار بها. لكن للدين الحديد مستلزمات اجتماعية وسياسية واسعة أيضًا. فالعلوم الطبيعية هي أساس العلوم الإنسانية، ولا تستمد الشرائع السليمة إلا من العلوم الإنسانية الصحيحة. أما العلوم الزائفة، فهي تؤدي إلى شرائع وأنظمة حكم زائفة. وليس الحكم الديني والحكم الاستبدادي فاسدين فحسب، بل هما غير طبيعيين وغير صحيحين. فالحكم الديني يرفع بعض الناس فوق سواهم، ويستخدم السلطة لمنع نمو العقل البشري نموًا صحيحًا؛ أما الحكم الاستبدادي، فينكر حقوق الأفراد (١٠). وما مصدر الاثنين إلا المبدأ الخاطئ القائم على تفضيل المنفعة الشخصية على المنفعة العامة. وهما يشجعان العقل على البقاء في حالة الجمود، وبذلك يعرقلان ذلك التقدم التدريجي الذي هو ناموس الكون. لكن بالإمكان تصور نظام للشرائع وللحكم يقوم على نواميس الكون، ويسمح بالتالي لتطور النمو الكوني أن يستمر وللإنسان «أن يعيش وفقًا لطبيعته». ومثل هذا النظام ينبثق عن المبادئ ذاتها التي تنبثق عنها نواميس الطبيعة، وهي أن الأشياء كلها سائرة إلى التباين والتغير، وأن التطور يتحقق بالصراع من أجل البقاء، وأن البقاء للأصلح.

لكن ما هو الأصلح للبقاء؟ على هذا يجيب الشميل بقوله: كما أن الجسد يكون صالحًا للبقاء عندما تعمل كل أجزائه بتعاون،

<<  <   >  >>