للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هكذا يقوم المجتمع بعمله على أحسن وجه عندما تعمل أجزاؤه معًا في سبيل خير الجميع. فالتعاون ناموس المجتمع الأعلى. وعن هذا ينتج أن القوانين والمؤسسات يجب أن لا تعتبر معصومة وغير قابلة للتغيير، إذ ما هي سوى تدابير في حقل الحياة الاجتماعية، تقاس قيمتها بمقدار ما تخدم الخير العام وهي تتغير بتغير شروطه (١١). لكن على هذا التغيير أن يتم تدريجًا. نعم، هناك حالات لا بد فيها من الثورة، حين لا يكون من علاج سواها لإخراج السم من الجسد؛ لكن الإصلاحات التي تنجح إنما هي، على العموم، تلك التي تنبثق عن تغير في الإرادة العامة وتستهدف الخير العام (١٢). على أنه لا يمكن الاتفاق على ما هو الخير العام إذا لم تتوافر الحرية، وبالأخص حرية الفكر. ففي الحكم الاستبدادي يسيطر عضو من أعضاء المجتمع على الآخرين بالقوة ويضع مصالحه فوق مصالحهم. كذلك لا تكون إرادة عامة بدون وحدة اجتماعية تقوم عليها، مما يقتضي فصل الدين عن الحياة السياسية. إذ أن الدين هو عنصر تفرقة، لا بحد ذاته، بل لأن رؤساء الدين يبذرون الشقاق بين الناس، مما يبقي المجتمعات ضعيفة. والأمم تقوى بمقدار ما يضعف الدين (١٣). فهذه أوروبا، فهي لم تصبح قوية ومتمدنة، فعلًا، إلا عندما حطم الإصلاح (إصلاح لوثر) والثورة الفرنسية سلطة الإكليروس على المجتمع. وهذا يصح أيضًا على المجتمعات الإسلامية. إذ أن ما أضعف الأمة ليس الإسلام أو القرآن بل سلطة رجال الدين. وقد توسع الشميل في شرح هذه الفكرة، ردًا على ما وجهه اللورد كرومر من انتقادات إلى الإسلام في كتابه «مصر الحديثة». فقد حكم اللورد كرومر على الإسلام بأنه «أخفق كنظام اجتماعي»، ملقيًا اللوم في ذلك على وضع المرأة المنحط، والقبول بالرق، وتصلب الشريعة، وضيق الإيمان (١٤). ولم يكن يعتقد بإمكان إيجاد علاج لذلك، كما يتبين مما كتبه عن رجل سيصبح يومًا من دعاة الإصلاح، هو محمد بيرم التونسي، إذ قال:

<<  <   >  >>