للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ما دام حقها في القناة معترفًا به، ولتستخدمه في سبيل الخير العام (١٦).

أثارت عليه مقاومته هذه للقومية وعقيدته الاشتراكية كثيرًا من الانتقاد يومذاك. فهو أول من نشر بالعربية فكرة الاشتراكية، وإن لم يكن أول من سماها بهذا الاسم. ومن الواضح أن القضية التي تبناها لم تكن قضية الاشتراكية الأوروبية، قضية الملكية الخاصة أو العامة لوسائل الإنتاج. فهذه ليست مشكلة مصر التي لم تكن قد تعرفت بعد إلى الصناعة الحديثة؛ بل ما كان يهمه إنما هي القضية الليبرالية التي أثيرت حول حدود تدخل الدولة. فعندما كان يدعو نفسه اشتراكيًا، كان يعبر بالحقيقة عن اعتقاده أن على الحكومة أن تعمل على التقدم الاجتماعي وتحقيق التعاون في سبيل الخير العام. فعليها مثلًا أن تجد عملًا للقادرين على العمل، وأن تؤمن المساواة في الأجور، وتحسن الصحة العامة (١٧). وقد ذهب أبعد من ذلك في المنهاج الذي وضعه في ١٩٠٨ للحزب الاشتراكي في مصر؛ فقال إن للحزب سياستين: سلبية وإيجابية. الأولى هي السعي إلى إزالة جميع الكتب غير النافعة، ومدرسة الحقوق، والجامعة الجديدة التي كانت في مرحلة التأسيس، والمحاكم المختلطة، لا بل جميع المحاكم الموجودة، والشركات المحتكرة لتوزيع المياه، والصحف التي تبذر الشقاق بالتحدث عن المسلم والقبطي والدخيل (وفي هذا إشارة إلى التهجمات المصرية على الجالية اللبنانية في مصر). والثانية هي أن يقيم، بعد تهديم جميع هذه المؤسسات، جامعة حقيقية تدرس فيها العلوم، ومدرسة تقنية بدلًا من مدرسة الحقوق، ومحاكم محلية بسيطة جدًا، ومؤسسات عامة لتوزيع المياه، ومدارس ابتدائية في كل قرية وحي، وصحف لائقة لتنوير الرأي العام.

قد يكون من المستحيل تطبيق مثل هذه الأفكار. لكن نشرها، بحد ذاته. قد ساعد على تخمير الأفكار والأفعال التي أطلقت الحركة الدستورية في مصر وفي الإمبراطورية العثمانية. كان شميل على العموم من أنصار «تركيا الفتاة» في معارضتها لاستبداد عبد الحميد. فقد

<<  <   >  >>