للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كتب في ١٨٩٨، عن هذا الحزب، أن أعضاءه لم يكونوا كلهم ليبراليين مخلصين، لكنهم كانوا من أنصار التقدم الكوني والاجتماعي، يؤيدون الحرية، والوحدة الاجتماعية التي تتعدى جميع الفروق الدينية، وانتشار التربية. وكانوا، بالرغم من كل نقائصهم، يشكلون طلائع حركة الجنس البشري والكون (١٩)، بينما كان عبد الحميد يمثل نقيض ذلك. ومما يدل على ما كان يجده الشميل من انسجام بين نواميس الكون وقوانين كل مجتمع إنساني، أنه ختم مقدمة كتابه عن الدارونية بهذا الإنذار الموجه إلى الطغاة: إن يومكم آت، حتى في الشرق، مع انتشار المعرفة (٢٠).

علينا، لنفهم فكر شبلي الشميل، أن نضعه في إطار النقاش الحاد الذي كان دائرًا يومذاك حول العلم والدين. وهذا ينطبق أيضًا على صحفي لبناني آخر من جيل أفتى بقليل هو فرح أنطون (١٨٧٤ - ١٩٢٢). نزح فرح أنطون من طرابلس إلى القاهرة، في ١٨٩٧، وصرف بقية حياته بين مصر ونيويورك، رئيسًا لتحرير عدة مجلات عربية، وبنوع خاص مجلة «الجامعة» الشهيرة في زمانها. وقد عبر، في هذه المجلات وفي قصصه، عن الفكر الأوروبي «المتقدم» في عصره، مما أدى إلى نزاعه مع محمد عبده في تلك المناقشة الشهيرة التي حملت هذا الأخير على وضع دراسته في الإسلام والمسيحية، كما حملت الشميل على نشر أفكاره عن المجتمع والحكم. لقد ولدت تلك المناقشة كثيرًا من الحدة، وقطعت العلاقات الطيبة التي كانت قائمة بين الرجلين، كما قطعت العلاقات بين فرح أنطون ورشيد رضا. وكان فرح أنطون ورشيد رضا قد سافرا معًا من لبنان إلى مصر، فانقلب، في أثناء الجدل، ما كان قد تولد بينهما من صداقة إلى عداوة عنيفة ساخطة (٢١)، إذ طعنت أفكار فرح أنطون معتقدات محمد عبده في الصميم.

كان مصدر الخلاف دراسة طويلة عن حياة ابن رشد وفلسفته نشرها فرح أنطون في مجلته «الجامعة». ويدل اختيار هذا الموضوع

<<  <   >  >>