للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

على تأثير رينان عليه. فهو الذي ترجم «حياة يسوع» لرينان، وها هو الآن ينهج في كتابته عن ابن رشد النهج الذي رسمه معلمه. فالآراء العامة التي أدلى بها كانت آراء رينان نفسها تقريبًا، وإنما جردت من صوت المعلم وإنشائه الرائع الصافي المؤثر والمتصف بشيء من اللاجدية. من ذلك قوله إن بالإمكان حل «النزاع» بين العلم والدين، وذاك بتحديد الحقل الخاص بكل منهما. فهناك قوتان إنسانيتان مستقلتان: العقل والقلب، ولكل منهما قواعد عمله ونطاق نشاطه وطرق إثبات حقائقه. فالعقل يستند إلى الملاحظة والاختبار، وحقله هو العالم المخلوق، أما القلب، فيسلك طريق القبول بما تحويه الكتب المنزلة بدون أن يتفحص أساساتها، ومواضيعه الخاصة إنما هي الفضائل والرذائل والحياة الأخرى. وما يتوصل إليه الواحد منهما لا يمكن للآخر دحضه. لذلك يجب أن يحترم الواحد الآخر، وأن لا يتجاوز الواحد حدود الآخر (٢٢).

كل هذا كان بحد ذاته بريئًا. غير أنه كان من شأن مثل هذه الأفكار، وقد ألقيت في مجتمع قائم على أساس الإيمان بالأديان المنزلة، أن تؤدي إلى نتائج ثورية. وكان فرح أنطون يعي ذلك، فأهدى كتابه إلى «النبت الجديد في الشرق»، أي «أولئك العقلاء في كل ملة وكل دين في الشرق، الذين عرفوا مضار مزج الدنيا بالدين في عصر كهذا العصر، فصاروا يطلبون وضع أديانهم جانبًا في مكان مقدس محترم، ليتمكنوا من الاتحاد اتحادًا حقيقيًا ومجاراة تيار التمدن الأوروبي الجديد لمزاحمة أهله، وإلا جرفهم جميعًا وجعلهم مسخرين لغيرهم» (٢٣).

ثم يشرح السبب الذي من أجله يكتب عن ابن رشد، فيقول إن غرضه إنما هو «تقريب الأبعاد بين عناصر الشرق وغسل القلوب وجمع الكلمة ... لا بأن يبرهن الفريق الواحد للفريق الثاني أن دينه أفضل من دينه، فهذا أمر قد مضى زمانه ... فهذا الزمان زمان العلم والفلسفة (الذي يقضي) بأن يحترم كل فريق رأي

<<  <   >  >>