للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

غيره ومعتقده» (٢٤).

إن ما جذب فرح أنطون إلى ابن رشد هو بالضبط ما كان قد جذب رينان إلى هذا الفيلسوف المسلم، أي تأكيده على أن النبوة نوع من الإدراك، وأن الأنبياء فلاسفة، وأن الحقيقة واحدة يسربلها الأنبياء بالرموز الدينية من أجل العامة، بينما تفقهها النخبة مباشرة. لكن فرح أنطون قصد أيضًا إلى غرض آخر. فقد كان كتابه، ككتاب الشميل، شبيهًا بالنشرة السياسية، بالرغم من شدة طابعه النظري. كما كان هدفه السياسي شبيهًا بهدف الشميل وسواه من كتاب عصره اللبنانيين. ذلك أنه توخى وضع أسس دولة علمانية يشترك فيها المسلمون والمسيحيون على قدم المساواة التامة. ورأى أن هنالك أساسين: الأول فصل الجوهري عن العرضي في جميع الأديان. فالجوهري هو مجموعة المبادئ، والعرضي مجموعة الشرائع، عامة كانت أم خاصة. فإذا تفحصنا مجموعة المبادئ، وجدنا أنها واحدة في جميع الأديان: فمسألة التثليث ليست إلا «مسألة شعرية مجازية» (٢٥)؛ وليس المسيح ابن الله بسبب طبيعة خاصة به، بل لأنه حاز بمقدار أكبر على «روح الله» الذي هو فينا جميعًا، والذي يجعل منا كلنا، بمعنى من المعاني، «أبناء الله» (٢٦). كذلك إذا تفحصنا مجموعة الشرائع لوجدنا أن غايتها الوحيدة إنما هي حث الناس على الفضيلة. فالثابت فيها هو إذن المبدأ الخلقي الكامن وراءها، ويجب أن نفسرها تفسيرًا يسمح لها بالقيام بوظيفتها، حتى لو اقتضى ذلك تأويلها (٢٧). وبعبارة أخرى، إن جميع الأديان إنما هي دين واحد يعلم بعض المبادئ العامة. أما الشرائع الدينية، فلا قيمة لها بحد ذاتها، إذ ما هي إلا وسائل لغاية. فالطبيعة البشرية واحدة أساسيًا في نظر جميع الأديان، والحقوق والواجبات البشرية واحدة أيضًا. حتى أن الذين لا دين لهم لا يختلفون عن غيرهم في الطبيعة أو الحقوق.

هذا كان، في نظر فرح أنطون، أساس التساهل (٢٨). لكن

<<  <   >  >>