للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أمرين: الوحدة الوطنية وتقنيات العلم الحديث. ويعطي مثلًا على هذا التغير اندحار الوهابيين على يد جيوش محمد علي ثم يقول: لو كانت نظرية محمد عبده في أن الإصلاح الديني يؤدي إلى القوة نظرية صادقة لانتصر الوهابيون. لكنهم خسروا بالفعل، لأن محمد علي كان أول من أدرك في الشرق أن العالم قد تغير. ثم يصر على القول بأن أمل محمد عبده في الوحدة الإسلامية باطل. فهي لن تتحقق، وإذا تحققت، فلن يغير ذلك شيئًا، لأنها لن تولد القوة الضرورية لصد الخطر الأوروبي (٣١). والأمثلة من التاريخ المسيحي والإسلامي على السواء عديدة، تثبت كلها أن الوحدة الدينية غير ممكنة، وأن على الدولة أن تجد لها نوعًا آخر من الوحدة إذا ما أرادت البقاء. أما في العصر الحديث، فالوحدة تتم بخلق الولاء القومي والفصل بين السلطة المدنية والسلطة الدينية. وفي هذا قوله: «فلا مدنية حقيقية ولا تساهل ولا عدل ولا مساواة ولا أمن ولا ألفة ولا حرية ولا علم ولا فلسفة ولا تقدم في الداخل إلا بفصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية» (٣٢). وهو لم يوافق على ادعاء محمد عبده بأن الأتراك هم الذين قضوا على وحدة الإسلام وقوته، وأنه يمكن استعادة هذه الوحدة وهذه القوة بنقل مركز الثقل من الأتراك إلى العرب. إذ كان الأمر بخلاف ذلك. فما مكن الأمة من البقاء إنما هو بالضبط روح الوطنية التي تميز بها الأتراك والفرس وتلك القوة التي المتولدة منها. فثقافة الفرس وفضائل الأتراك العسكرية قد نفحت الإسلام بقوة جديدة: «إن دولة سلاطين آل عثمان ورثت الميراث العربي بانتخاب طبيعي فكفت بقوتها ذلك الميراث ما كان يحدق به من المصائب والأخطار» (٣٣).

وكان محمد عبده قد أدلى بحجة أخرى، وهي أن فصل الدين عن الدولة ليس غير مرغوب فيه فحسب، بل هو مستحيل. ذلك أن الحاكم لا بد له من أن ينتمي إلى دين معين، فكيف يمكنه أن يتحرر في أفعاله من تأثير هذا الدين؟ فالإنسان وحدة، لا مجرد

<<  <   >  >>