وفي قلب الجزيرة العربية، نشأت حركة إصلاحية، استلهمت تفكيرها من المذهب الحنبلي. فأعلن صاحبها، محمد بن عبد الوهاب (١٧٠٣ - ٨٧)، أن الإسلام ليس مجرد أقوال أو ترديدًا لأقوال، فلن يكفينا يوم الحساب أن نتوسل بالقول: سمعت الناس يقولون بهذا فقلت به (٢)، بل علينا أن نعرف ما هو الإسلام الحقيقي: إنه قبل كل شيء رفض جميع الآلهة إلا الله، ورفض إشراك سواه في التعبد الذي لا يجوز إلا له. فالشرك شر مهما كان موضوعه، أكان ملكًا أم نبيًا أم وليًا أم شجرة أم قبرًا (٣). والتعبد للأتقياء شر كعبادة الأوثان. ولا يقتصر الشرك على الأقوال والأفكار، بل يشمل أيضًا جميع الأعمال المنطوية عليه ضمنًا: فإتيان أعمال هذه الدنيا نوع من الشرك (٤). هذا الإسلام الحقيقي كان، في نظر ابن عبد الوهاب، دين الجيل الأول، دين السلف الصالح. فهو، باسم هذا السلف، يعترض على تلك البدع اللاحقة التي أدخلت في الإسلام آلهة جديدة: تطور الفكر الصوفي الأخير وعقيدته في وحدة الوجود، وإعراضه الزهدي عن خيرات هذه الدنيا وانتظامه في الطرق، وطقوسه الغريبة عما رسمه القرآن. وهو يعترض على الغلو في إكرام محمد على أنه إنسان كامل وشفيع بين الناس والله (مع أنه يحيطه بالإجلال العظيم كنبي)؛ وعلى التعبد للأولياء وتكريم قبورهم؛ وعلى انبعاث تقاليد الجاهلية وعاداتها في الإسلام.
طبعًا، لم تكن تعاليم ابن عبد الوهاب جديدة. فقد تأثر بابن تيمية، عن طريق عائلته التي كان أعضاؤها من علماء الحنبلة، بفضل دروسه في المدينة وغيرها (٥). إلا أنه فسر الإسلام تفسيرًا لم يكن لمعلمه عهد به. إذ لم تقتصر تعاليمه، في ظروف زمانه، على الدعوة إلى التوبة، بل غدت تحديًا للقوى الاجتماعية السائدة- تحديًا، من جهة، للقوة المتجددة لدى القبائل العربية التي كانت لا تزال تعيش على جهل بالدين والشريعة، وتحديًا، من جهة أخرى، للسلطنة العثمانية التي كانت تدعم السنة