الإسلامية، لا كما كان يفهمها السلف، بل كما كانت قد تطورت إليه خلال العصور. إن حقيقة ما كان يقوله ابن عبد الوهاب هو أن ذلك الإسلام الذي كان السلطان يحميه ليس بالإسلام الحقيقي، وهذا يعني ضمنًا أن السلطان ليس الإمام الحقيقي للأمة. وقد تجسدت حركته هذه، كمثيلاتها في الإسلام، في دولة، وغدا تحديه للعقيدة تحديًا للسلطة أيضًا. فقد تحالف مع أسرة حاكمة صغيرة في أواسط الجزيرة، أي أسرة ابن سعود، على إقامة دولة يمكن للمسلمين أن يحيوا فيها الحياة الصالحة وفقًا للشريعة كما يفهمانها. في هذه الدولة كانت الشريعة تطبق بكل تفاصيلها، ولم يكن لأي قوانين أو عادات أخرى أي مفعول. وكانت السلطة في يد الإمام، وهو الزعيم المدني وإمام الصلاة، يمارسها بمشورة العلماء والجماعة. وكانت الدولة أيضًا، بحكم الجغرافيا من جهة، وبتشديدها على العودة إلى عهد الإسلام الأول من جهة أخرى، عربية في روحها. فقد قال أحد الأئمة الوهابيين بفخر، في معرض حديثه عن الإمامة، إنه إذا كان نوالها بالاختيار، فالعرب أحق بها من الأتراك (٦). غير أن هذه الدولة كانت تدعو، لا إلى تضامن عربي، بل إلى تضامن إسلامي، وتذهب جوهريًا إلى أنها الدولة الإسلامية الوحيدة التي يمكن للجميع الانتماء إليها. كان في هذا تحد ضمني لسلطة العثمانيين السياسية، بل تحد خطير، لأن سياستها في الجزيرة كانت ترمي إلى إحلال الشريعة محل عادات الجاهلية، وروح التضامن الإسلامي محل العصبية القبلية، ومن ثم توجيه قوى البدو الحربية نحو جهاد دائم. وفي أواخر القرن الثامن عشر، كان الوهابيون قد سيطروا على أواسط الجزيرة والخليج الفارسي، ثم ما لبثوا أن دمروا كربلاء في أطراف العراق، واحتلوا الحجاز، وأخذوا يهددون دمشق.
وفي الوقت نفسه تكونت، ما وراء حدود الإسلام، حركة كان لا بد أن يكون لها تأثير أشد على الإمبراطورية: هي الثورة العلمية