للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في أوروبا الغربية وما انبثق عنها من قوة عسكرية واقتصادية. وكان العثمانيون، في القرن السادس عشر، قد أوشكوا على تنصيب أنفسهم أسيادًا على أوروبا. وبعد ذلك بقرن واحد كانوا ما يزالون من القوة بحيث استولوا على جزيرة كريت وهددوا فيينا وحاربوا الدول الأوروبية محاربة الند للند. إلا أنهم لم يتمكنوا من استيعاب الاكتشافات الجديدة في فنون الحرب، كما فعلوا في عهد سابق. لذلك لم يكن بوسعهم، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، محاربة الدول محاربة الند للند. فكانت النتيجة أن ازداد نفوذ الدول الدبلوماسي في القسطنطينية. ولكن لما كانت الدول على خلاف فيما بينها، وكانت تنظر إلى تأثيرها على السلطان كوسيلة من وسائل التنافس، فقد أدى ازدياد هذا التأثير إلى ازدياد الصراع أيضًا. وقد تمكنت الحكومة العثمانية من استغلال هذا التنافس للاحتفاظ بشيء من الاستقلال في العمل، غير مضمون. لكن هذا التوازن الذي كان قائمًا في قلب الإمبراطورية اختل في أطرافها. ففي حرب ١٧٦٨ - ١٧٧٤، أنزلت البواخر الروسية جيوشًا في اليونان وفي بيروت، بينما توغلت الجيوش الروسية في البلقان والقوقاز. وفي نهاية الحرب، فرض على السلطان التخلي عن القرم التي كانت إذ ذاك منطقة إسلامية في معظمها، فكانت أول مقاطعة إسلامية تنسلخ عن الإمبراطورية. كما أن البواخر الفرنسية والإنكليزية مخرت بحرية أيضًا عباب ما كان يعرف إذ ذاك بالمياه العثمانية في شرقي البحر المتوسط. وقبل نهاية القرن جرت فرنسا وإنكلترا ولاية عثمانية إلى حومة النزاع بينهما، فاحتل الفرنسيون مصر، في ١٧٩٨، ولم يتمكن الأتراك من طردهم منها إلا بمساعدة الإنكليز.

كان لتأثير الدول مفعوله حتى على الولايات التي لم تكن معرضة للخطر العسكري. فكانت كل قنصلية أوروبية مركز نفوذ تلتف حوله فئة من الرعايا المحميين، المسيحيين منهم واليهود العثمانيين، الذين منحوا بعض امتيازات الأجانب. ولم تقتصر الحماية الأوروبية

<<  <   >  >>