للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

على الأفراد، بل تعدتهم إلى جماعات بكاملها. فمنذ القرن السادس عشر، كانت «الامتيازات» قد منحت فرنسا حق حماية الكاثوليك الأوروبيين بكنائسهم وكهنتهم في الأراضي العثمانية. ثم وسعت فرنسا تلك الحماية تدريجًا حتى أصبحت تشمل الكاثوليك العثمانيين والإرساليات الأوروبية العاملة بينهم. وكانت أكبر طائفة كاثوليكية وأهمها طائفة الموارنة، التي كانت تعيش خصوصًا في لبنان، والتي كانت قد اعترفت بالسلطة البابوية في أثناء الحروب الصليبية وأقامت لها علاقات مباشرة ومستمرة مع الفاتيكان منذ القرن السادس عشر، وعلاقات مباشرة مع ملك فرنسا في ١٦٤٩، بحيث أصبح النفوذ الفرنسي فيها كبيرًا. وعندما نمت الطوائف الكاثوليكية الأخرى، شملتها أيضًا حماية فرنسا، وإلى حد أقل، حماية النمسا. ولم يقبل السلطان قط بهذا رسميًا، إلا أنه رضخ له إلى حد ما، خصوصًا كلما شعر بالحاجة إلى دعم فرنسا له ضد روسيا. أما المسيحيون الأرثوذكس، وخاصة اليونانيون منهم، فقد كانوا مرتبطين بعلاقات مع روسيا. وقد جعلت روسيا لنفسها، في معاهدة كوتشوك كاينرجي عام ١٧٧٤، أساسًا حقوقيًا لتلك العلاقات، أصبح له فيما بعد مضاعفات سياسية هامة، إذ كان الأرثوذكس يشكلون أكبر طائفة مسيحية في الإمبراطورية.

كانت الطوائف الأرثوذكسية وغيرها من الطوائف المسيحية تزداد ثروة وثقافة ونفوذًا طوال القرن الثامن عشر. فالحماية الأجنبية لم تمنحها امتيازات سياسية فحسب، بل وفرت لأبنائها أيضًا، وهم عملاء التجارة مع أوروبا في ذلك الحين. منافع تجارية ومالية. وقد اغتنى، بنوع خاص، اليونانيون والأرمن والمسيحيون السوريون الناطقون بالضاد، فارتفع مع هذا الغنى مستواهم الثقافي واشتد شعورهم الطائفي. وقد تجلى ذلك، في الأكثر، لدى اليونانيين الذين كانت عظمة البيزنطيين لا تزال ماثلة في ذاكرتهم، فاستعادوا، بطريقة أخرى، تلك السلطة السياسة التي كان محمد،

<<  <   >  >>