للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فاتح القسطنطينية، قد جردهم منها. فكان بطريرك القسطنطينية، اليوناني أبدًا، الرئيس المدني أيضًا «للأمة» الأرثوذكسية بكاملها. وقد توصل في القرن الثامن عشر إلى جمعها تحت سلطته، وذلك وإخضاع البطريركيات الأخرى أو بترئيس مرشحيه عليها. وكانت أيضًا أسرة الفنار اليونانية الكبيرة تحتل، في تلك الحقبة، وبلا انقطاع تقريبًا، وظائف معينة ذات نفوذ في الدولة: فكان منها تراجمة الباب العالي، وتراجمة البحرية، وحكام ولايات فالاشيا ومولدافيا. وفي نهاية القرن، أصبحت قلوب اليونانيين مشبعة بروح الثقة بالنفس كشعب يحكم الآخرين ويشعر بقوته آخذة في الازدياد. كما أنهم بدأوا يتحسسون وجود عالم جديد من الأفكار والثروات في أوروبا، وإمكانية العثور هناك على أصدقاء وحلفاء. وكان يحمل إليهم أفكار عصر التنور الفرنسي أبناؤهم الطلاب الذين كانوا يتلقونها في جامعة بادوا. وفي ذلك الحين أنشئت المدارس الوطنية الأولى، وأسست الجمعيات، وأخذت العلاقات مع روسيا تزداد تقاربًا.

وكان قد مضى زمن أقبل فيه العثمانيون على التعلم من أوروبا بدافع من مصلحتهم. فعرفوا، في أيام الفتح العظيمة، كيف يستفيدون من مهارة بعض المسيحيين المرتدين من سكان أوروبا الوسطى، وكيف يقتبسون منهم ثمار التقدم الأوروبي في فن الحرب. وقد سهل عليهم استخدام البارود والأسلحة النارية امتداد سلطتهم إلى مصر وسوريا في أوائل القرن السادس عشر. وكانت بحريتهم تستخدم، على أوسع نطاق، الأساليب الفنية الجديدة في الملاحة وفي التخطيط الحربي، بعد أن كانت القسطنطينية قد اطلعت بسرعة على الاكتشافات الجغرافية التي تمت في عصر النهضة. وكان محمد الفاتح، إلى حد ما، على اهتمام عام بالمدنية الغربية. فدعا بعض الرسامين ورجال الأدب الإيطاليين إلى بلاطه، وأمر بترجمة مؤلفات بطليموس وبلوطارخوس إلى اللغة التركية. ولعل اهتمامه هذا قد نشأ عن الحاجة العسكرية، إذ كان الرسامون الإيطاليون خبراء

<<  <   >  >>