للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أيضًا في فن التحصين، ناهيك بقيمة المعلومات الواردة في كتب بطليموس. على أن ذلك، كما يبدو، قد أثار فيه رغبة مجردة في المعرفة، وحبًا في الاستطلاع. وهو أمر أصبح نادرًا فيما بعد، حين فقدت الدولة حيويتها بعد انصرام عهد العظمة الأول الطويل، كما فقدت مهارتها السياسية، ولم يعد بوسعها التكيف وفقًا للتغير، في وقت أصبح التغير فيه سريعًا وواسعًا. فلم يكن للاكتشافات العلمية أي صدى لديها، حتى إن الإشارة الواحدة إلى كوبرنيكوس في الأدب العثماني، قبل آخر القرن السابع عشر، لم تكن إلا إشارة عابرة (٧). كما أن الجيش والبحرية لم يقتبسا شيئًا من التحسينات الفنية الجديدة. وقد برز الانحطاط في أواسط القرن الثامن عشر بروزًا لم يعد من الممكن تجاهله. لا بل يبدو أن الشعور بالانحطاط كان قد بدأ منذ أوائل القرن السابع عشر، كما يدل على ذلك، ابتداءً من كوسى بك وصاعدًا، سلسلة الكتب التي عينت بوضوح تام أسباب هذا الانحطاط. وقد يكون من الدلائل عليه أيضًا الاهتمام بابن خلدون، الذي ترجمت «مقدمته» إلى اللغة التركية في القرن الثامن عشر، وكان انتشارها واسعًا على ما يبدو. إلا أنه، مع تصرم القرن، تبدلت النظرة إلى العلة وإلى الدواء. فقد كان المفكرون والأدباء يحثون السلاطين على إعادة بناء مؤسسات الماضي العظيم. أما الآن فقد وجدت الإمبراطورية نفسها بحاجة إلى أكثر من ذلك. إذ كان عليها، للدفاع عن نفسها، أن تجد حلفاء أوروبيين ضد أعداء أوروبيين، وأن تفتح صدرها لفنون الحرب الجديدة في العالم الحديث. وقد أدت هذه الحاجات إلى قيام الرعيل الأول من السياسيين الغربي التفكير في الشرق الأدنى.

ففي عهد باكر، أي منذ ١٧٢٠، عاد من فرنسا مبعوث خاص بتقرير مشبع بالإعجاب بها. وحاولت الحكومة العثمانية مرارًا، ابتداءً من ثلاثينيات القرن الثامن عشر، إنشاء جيش على أسس أوروبية. وفي حقبة السنوات العشر تلك، طلب السلطان من مرتد

<<  <   >  >>