للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فرنسي، اسمه دي بونفال، أن يفتح مدرسة للهندسة العسكرية، فلم تعمر طويلًا بسبب مقاومة الإنكشارية لها. إلا أنه أنشأ بعد جيل، أي في سبعينيات ذلك القرن، مدرسة الرياضيات لضباط البحرية، كان أول أستاذ فيها جزائري يعرف لغات أوروبا، كما كانت الكتب المدرسية فيها أوروبية مترجمة إلى اللغة التركية (٨). وفي عام ١٧٨٩، تسنم العرش سلطان ذو أفكار إصلاحية، هو سليم الثالث، فبدأ بإصلاح الجيش على نطاق واسع، وفتح مدارس كان معظم أساتذتها من الفرنسيين، باستثناء السنوات التي تلت غزو مصر، إذ انفصمت موقتًا عرى الصداقة الفرنسية التركية. وكانت هذه المدارس تلقن اللغتين الفرنسية والإيطالية وكان في بعضها مكتبة فرنسية تحتوي مؤلفات معظمها تقنية إن لم يكن كلها. وفضلًا عن ذلك، فقد ترجمت في هذه الفترة إلى اللغة التركية كتب في الرياضيات والملاحة والجغرافيا والتاريخ، وطبعت على أول مطبعة تركية تأسست في العشرينيات من القرن الثامن عشر تحت رعاية الحكومة. وهكذا نشهد في ذلك الحين فورانًا فكريًا، جاءت الثورة الفرنسية تحره وتغذيه. وكانت هذه الثورة أول حدث في السياسة الأوروبية راقبه الأتراك عن كثب، فأثر فيهم تأثيرًا عميقًا وأدى، فيما أدى إليه، إلى احتكاك الدبلوماسيين الفرنسيين، أكثر من ذي قبل، بالموظفين وبرجال الدولة العثمانيين (٩).

هذه كانت الأفكار والدوافع الأولى التي حاول سليم الثالث تنسيقها. ففي ١٧٩٢، طلب من كبار الشخصيات في الإمبراطورية أن يضعوا له تقارير عن حاجات الإمبراطورية. فاتفق معظمهم على ضرورة الإصلاح العسكري بمساعدة ضباط واختصاصيين أوروبيين، على أن يتم ذلك الإصلاح دون مساس بالشريعة أو إثارة عداء المحافظين (١٠). وقد حاول السلطان سليم، طيلة العشرين سنة اللاحقة، أن يطبق هذه الآراء، غير أن محاولته إنشاء جيش مثالي جديد أثارت عليه نقمة الإنكشارية الذين ما أن شعروا بمركزهم مهددًا حتى هبوا ثائرين، يؤيدهم

<<  <   >  >>