العلماء والجماهير، فخلعوا السلطان سليم عن عرشه. وبعد حقبة من البلبلة، ارتقى العرش محمد الثاني، الذي شارك سليم الثالث سجنه، كما شاركه آراءه. إلا أنه رأى، وقد اعتبر بإخفاق سلفه، أن ينتظر عشرين عامًا بروز العاملين اللذين مكناه من التغلب على الإنكشارية: الأول نشوء فريق من دعاة الإصلاح ظهروا تدريجًا وكانوا مطلعين اطلاعًا واسعًا على العالم الحديث ومقتنعين بأن الإمبراطورية إما أن تنتمي إلى ذلك العالم أو تفنى. كان منهم ضباط في الجيش تخرجوا من المدارس الجديدة وأتقنوا لغات أوروبية وألموا بالتقنية العلمية الحديثة، كما كان منهم من نشأ نشأة أخرى مختلفة أكسبتهم، في تلك الظروف، نفوذًا أكبر: نعني بهم فئة الدبلوماسيين والتراجمة الدبلوماسيين الشباب. كانت الإمبراطورية تعتمد، في عهودها الأولى، على اليهود والمرتدين الأوروبيين في جمع الأخبار الخارجية وفي المهارة الدبلوماسية. وإذ أخذ معين المرتدين ينضب، بدأت تلتفت أكثر فأكثر إلى رعاياها اليونانيين، وبنوع خاص، إلى بعض أسر الفنار الكبرى التي كانت على معرفة ومهارة سياسية موروثة وعلى فهم دقيق للسياسات الأوروبية استمدته من صلاتها الواسعة ومن دراساتها في إيطاليا. إلا أن ولاء هؤلاء لم يكن دومًا فوق الشبهات. وإذ أخذت العلاقات بين العثمانيين والأوروبيين تتوثق وتعمق بشكل لم يعد يسمح بتركها بين أيدي وسطاء مغرضين، أخذ الباب العالي، ابتداءً من القرن الثامن عشر، ينشئ سفارات له في أوروبا ويرسل إليها موظفين شبابًا لدرس لغات أوروبا وسياساتها. فضلًا عن أنه أنشأ له فيما بعد، مكتبًا للترجمة.
كان هناك، إذن، في العشرينيات والثلاثينيات من القرن التاسع عشر، رعيل من العثمانيين أصبح دون أن تقتلع جذوره، جزءًا من المجتمع الأوروبي، مشبعًا بأفكاره. نذكر من هذا الرعيل أحمد وفيق باشا، الذي كان جده أول المترجمين الأتراك الجدد، وأبوه من العاملين في السفارة في باريس، حيث تلقى هو علومه، فأصبح، في جيل لاحق، كبير الوزراء. وبحكم هذا المنصب نشأت علاقة