للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حميمة بينه وبين السفير البريطاني، السر هنري ليارد، الذي كان قد عرفه شابًا. وقد ترك لنا ليارد صورة عنه وعن أبيه. كان الأب «سيدًا تركيًا وافر النبل، مرهف الأدب، مهيب الطلعة، تزينه الحية بيضاء كالثلج وعمامة وجبة». لكن شتان ما بينه وبين ابنه، «الذي كان اطلاعه على المؤلفين الإنكليز والفرنسيين مدهشًا يثير الإعجاب ... كنا نقرأ معًا أفضل الكلاسيكيين الإنكليز، بمن فيهم غيبون وروبرتسون وهيوم، وندرس علم الاقتصاد السياسي في كتب آدم سمث وريكاردو. وقد حملناه أيضًا على قراءة روايات شكسبير، فاستوعبها وقدرها، وعلى قصص ديكنس فتفهم روحها تمامًا ... وقد استمتع بقراءة «بيكويك» ومؤلفات ديكنس الأخرى التي صدرت آنذاك، وبالغ من اطلاعه عليها أنه اعتاد فيما بعد على الاستشهاد بها» (١١).

ومن هذا الرعيل أيضًا مصطفى رشيد باشا الذي تلقى تربيته الأولى في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، عندما كان دبلوماسيًا في باريس، حيث تعلم «اللغة الفرنسية وبواسطتها درس الكثير من أدب أوروبا السياسي» (١٢). ومن هذه الدراسة استمد الآراء التي كانت ستوجه، بواسطته وبواسطة أمثاله، سياسة الإمبراطورية لنصف قرن. وتتلخص هذه الآراء في أن على الإمبراطورية أن تتحول إلى دولة مركزية حديثة، وأنه لا بد، لتحقيق ذلك، من توفير شروط عدة: إنشاء جيش حديث، مما يقتضي إنشاء صف من الضباط المثقفين، واستخدام هذا الجيش لاستعادة السيطرة المركزية على الولايات المتمتعة بحكم شبه ذاتي وباستقلال عملي، ومن ثم لإبعاد خطر الثورة والتدخل الأجنبي؛ وأخيرًا إنشاء نظام تشريعي وإداري حديث في جميع أنحاء هذه الإمبراطورية الموحدة من جديد يكون قائمًا على مبدأ المساواة بين جميع المواطنين.

أما العامل الثاني، الذي مكن محمد الثاني من مقاومة الإنكشارية، فهو تلك القوة الجديدة التي ظهرت، في ١٨٢١، على مسرح الحياة العثمانية، والتي كان من شأنها أن تلعب دورًا في تاريخ الإمبراطورية

<<  <   >  >>