وبينه وبين الدول الأوروبية. إن هذا البيان لا يمس، رسميًا، جهاز الشرع الإسلامي. أما في الواقع، فهو يستهدف تحويل الدولة من سلطنة إسلامية إلى سلطنة يكون فيها أتباع جميع الأديان أعضاء متساوين في جسم الجماعة السياسي ومشتركين معًا في شعور الولاء الوطني. وقد تجسدت هذه النوايا جزئيًا في القوانين التي صدرت خلال العشرين أو الثلاثين سنة اللاحقة: فقد أعيد تنظيم الحكومة المركزية والمحلية على نطاق أوسع، وأقر التجنيد، وأنشئت محاكم مدنية وجزائية وتجارية، وسن قانون جزائي وقانون تجاري جديدان. وفي ١٨٥٦، أي أثناء حرب القرم، أصدر السلطان بيانًا إضافيًا عن ذلك، عرف «بخط هامايون»، يؤكد فيه السلطان أن مبتغاه إنما هو سعادة جميع رعاياه على السواء. ويثبت جميع الضمانات الممنوحة بموجب القرارات السابقة وجميع الامتيازات الروحية للطوائف غير المسلمة التي لم تكن قد منحت لهم من قبل، ويصرح بأنه من الآن وصاعدًا لن يكون ثمة أي تمييز قائم على الدين أو اللغة أو العرق في توزيع وظائف الدولة، أو الدخول إلى المدارس الحكومية، أو دفع الضرائب، أو الخدمة العسكرية (١٤). وفي معاهدة باريس التي أنهت حرب القرم في السنة نفسها، أخذت الدول المتعاقدة علمًا بهذا القرار الذي كان السلطان قد أبلغها إياه، معلنًا أنه أصدره عفويًا عن إرادته السنية؛ إلا أنها صرحت بأن هذا التبليغ لا يمنحها الحق في التدخل، لا جماعيًا ولا فرديًا، في علاقات السلطان مع رعاياه، أو في إدارة شؤون إمبراطوريته (١٥).
إن الاعتناء في انتقاء العبارات وتركيبها في نص هذه المعاهدة ينم عن الضعف الذي كان ملازمًا لطريقة الإصلاح. فكل شيء فيه كان وقفًا على إرادة السلطان. نعم، لقد عقدت في ١٨٤٥، جمعية من أعيان الولايات، لمناقشة شؤون الإمبراطورية. إلا أن ذلك لم يحدث أي تغيير، وبقي الحكم في قبضة السلطان، لا بل أخذت سلطته تزداد إذ جاءت المؤسسات الجديدة الصادرة عن إرادته تحل محل المؤسسات