القديمة التي كانت تحد منها، كما أخذت القوانين الجديدة تنمو إلى جانب الشريعة السائدة منذ زمن بعيد. كان عبد المجيد وخلفه عبد العزيز، راغبين على العموم، في التعاون مع رجال الدين المصلحين، إلا أنهما كانا ضعيفين، ومتقلبين، وواقعين تحت تأثير مستشاريهما. ولم يتمكن رشيد باشا وتلميذاه فؤاد وعلي (والاثنان دبلوماسيان سابقان)، إلا بصورة متقطعة، وبمساعدة سفيري بريطانيا وفرنسا، من جعل السلطان يصغي إليهم ويحقق الإصلاحات التي كانوا يعتقدونها ضرورية.
كان يقاومهم في مهمتهم تلك أولًا المحافظون المتدينون، الذين كانوا يحرصون على الاحتفاظ بأساس الدولة العثمانية التقليدي، وذلك إما لارتباط مصالحهم به، وإما لاعتقادهم بأنه موافق لإرادة الله، وبأنه الضمانة الوحيدة للاستقرار. وقد نجحوا مثلًا في تأخير تطبيق القانون التجاري الجديد، مدعين أنه يتناول دائرة من الحياة قد عالجتها الشريعة بتفصيل ودقة. وأتت المقاومة أيضًا من الذين لم يعترضوا مبدئيًا على الإصلاحات، إلا أنهم كانوا يعتقدون أن تطبيقها يستحيل في دولة كالسلطنة العثمانية. فالتصريحات، كبيان ١٨٣٩ وبيان ١٨٥٦، كان من شأنها بالواقع أن تعطي الدول الأخرى فرصة جديدة للتدخل، بالرغم مما ورد في معاهدة باريس. كما كان من شأنها، فضلًا عن ذلك، أن تمنح حرية جديدة للشعوب المحكومة، تتيح لها أن تقوي نفسها وتثور. فالشعوب المسيحية في البلقان كانت تشعر بشعور وطني خاص، وكانت ترغب في الاستقلال، بينما كان الشعور الوطني العثماني يكاد لا يكون موجودًا. وعلى هذا، فقد كان المعترضون يقولون بأن هذه الإصلاحات، إذ كانت مبنية على مبدأ لم يمتحن بعد ولم يكن يؤمن به حقيقة أحد، لا بد أن تهدم تلك المبادئ التي كانت قوة الإمبراطورية، لا بل كيانها، قائمًا عليها: أي سلطة الشرع الإسلامي وسيطرة العنصر التركي المسلم. فمن الأفضل، إذن، الاحتفاظ بالنظام القديم،