للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

على أن يطهر من الفساد والجمود، ريثما يتم التغير البطيء في المشاعر، الذي يجعل من الممكن إحداث مؤسسات جديدة بأمان. وهذا كان رأي أحمد وفيق، فهو يقول: «إن محاولة إدخال مؤسسات أوروبية بالجملة إلى تركيا وتلقيح النظام التركي السياسي التقليدي القديم بالمدنية الأوروبية، قبل أن يكون مهيئً لمثل هذا التجديد الحاسم، لا يمكن أن تنجح، بل لا بد لها من أن تضعف السلطنة العثمانية أضعافًا يفقدها القوة الضئيلة والاستقلال الذين تبقيا لها».

وقد توصل أحمد وفيق، في أواخر أيامه، إلى تحقيق مبادئه. فبعد صدور الدستور العثماني، في ١٨٧٦، أصبح رئيسًا لأول مجلس منتخب. وقد أظهرت إدارته الصلبة للمناقشات أنه لم يفقد شيئًا من حذره القديم من المؤسسات التي كان يعتبرها غير ملائمة، لا بل خطرة.

كانت القضية التي بقيت بالواقع قضية الإمبراطورية، طيلة القرن الأخير من وجودها، ما يلي: كيف يمكنها أن تدخل جسم الدولة السياسي تلك الإصلاحات في المؤسسات وفي الخلقية السياسية التي تشكل مصادر القوة في العالم الحديث. على أنه كان في الإمبراطورية ولايات بعيدة، تتمتع بالحكم الذاتي وذات شعوب متجانسة، لم يثر فيها الإصلاح مثل هذه المشاكل، بل لاقى لديها نجاحًا أوفر. من هذه الولايات مصر، التي كانت أفكار الثورة الفرنسية قد أتتها متجسدة في جيش أوروبي. كان آخر كبار المؤرخين من المدرسة القديمة، الجبرتي (١٧٥٦ - ١٨٢٥)، عائشًا في مصر عندما نزلها جيش بونابرت، فجاء وصفه لوصول الفرنسيين يعكس قوى التجاذب والتنافر التي كانت تتنازع ضمنًا مصر الحديثة في علاقتها بأوروبا الحديثة. فهو يقول: «حضر إلى الثغر مراكب من مراكب الإنكليز ... فانتظر أهل الثغر ما يريدون. وإذا بقارب صغير واصل من عندهم وفيه عشرة أنفار. فوصلوا البر واجتمعوا بكبار البلدة ... فاستخبروهم عن غرضهم فأخبروا ... إنهم

<<  <   >  >>