حضروا للتفتيش عن الفرنسيين لأنهم خرجوا بعمارة عظيمة ... فربما دهموكم فلا تقدروا على دفعهم ولا تتمكنوا من منعهم ... فجاوبوهم بكلام خشن ... فقالت رسل الإنكليز: نحن نقف بمراكبنا في البحر محافظين على الثغر، لا نحتاج منكم إلا الإمداد بالماء والزاد بثمنه. فلم يجيبوهم إلى ذلك وقالوا: هذه بلاد السلطان وليس للفرنسيين ولا لغيرهم عليها سبيل، فاذهبوا عنا». وقد ردد صدى هذه الروح المتحدية صوت أمراء المماليك في القاهرة الذين، إذ سمعوا بالخبر:«لم يهتموا بشيء من ذلك، ولم يكترثوا به»، بل هتفوا:«إذا جاءت جميع الإفرنج فلا يقفون في مقابلتنا وإننا سندوسهم بخيولنا»(١٧).
أصدر بونابرت، في اليوم الثاني لاحتلاله الإسكندرية، بيانًا باللغة العربية، افتتحه بالدعاء الإسلامي التقليدي:«باسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، ولا ولد له ولا شريك له في ملكه». غير أن الحملة التالية جاءت بمبدأ جديد، إذ ذكرت أن البيان صادر عن الحكومة الفرنسية «المبنية على أساس الحرية والمساواة». ثم يمضي البيان في تطبيق هذه المبادئ على مصر، فيقول:«إن جميع الناس متساوون أمام الله، وأن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط. وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب. فماذا يميزهم عن غيرهم حتى يستوجبوا أن يتملكوا مصر وحدهم ويختصوا بكل شيء حسن فيها من الجواري الحسان والخيل العتاق والمساكن المفرحة؟ » ... لقد أفسدوا هذا الإقليم الحسن الأحسن ... «وهدموا فيه المدن العظيمة والخلجان الواسعة» ... التي بها اشتهر. لقد زال حكمهم الآن ... «ومن الآن فصاعدًا لا ييأس أحد من أهالي مصر من الدخول في المناصب السامية وعن اكتساب المراتب العالية. فالعلماء الفضلاء بينهم سيديرون الأمور، وبذلك يصلح حال الأمة كلها». ثم يختم البيان بهذه الكلمات:«لعن الله المماليك وأصلح حالة الأمة المصرية»(١٨).