للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أي دراسة ولم يتعلم القراءة إلا في الأربعين من عمره (٢٣)، أقل استجابة من سلاطين زمانه للأفكار السياسية المنطلقة من أوروبا الحديثة. نعم، كان على شيء من الاهتمام بالكتب، لكن اهتمامه هذا لم يكن إلا بمقدار ما كانت تنفعه في إتقان فن الحكم. لقد ترجمت وقرئت عليه كتب عن نابليون، كما استنسخت، بناءً لطلبه، مقدمة ابن خلدون عن مخطوطات في شمالي إفريقية وترجمت إلى اللغة التركية (٢٤). لكنه أصغى بإعجاب أقل إلى مؤلفات مكيافالي التي كان وزيره أرتين يترجمها له بمعدل عشر صفحات باليوم. وفي هذا يقول المترجم: «أما في اليوم الرابع، فاستوقفني قائلًا: لقد قرأت كل ما أعطيني إياه من مكيافالي، فلم أعثر على شيء جديد يذكر في صفحاتك العشر الأولى. إلا أنني كنت آمل أن تتحسن الحال. لكن الصفحات العشر الأخرى لم تكن أفضل. أما الأخيرة، فليست سوى مجرد عموميات. إني أرى بوضوح أنه ليس لدى مكيافالي ما يمكنني أن أتعلمه منه. فأنا أعرف من الحيل فوق ما يعرف ... فلا داع للاستمرار في ترجمته» (٢٥).

لم يصدر محمد علي أي بيان في الحقوق، ولم يقم بأية محاولة لإصلاح مؤسسات البلد السياسية. بل كان يحكم حسب النمط التقليدي، باستثناء دعوته لمجلس استشاري واسع في ١٨٢٩. كان يتخذ القرارات شخصيًا، بعد مناقشة تامة ووجيزة مع مستشاريه. أما العلماء، فلم يكونوا في عداد مستشاريه الأقربين. لقد ساعدوه، وهم لسان حال شعب القاهرة وزعماؤه، على الوصول إلى الحكم؛ غير أن الدرس القائل بأن على الحاكم تحطيم أولئك الذين رفعوه إلى الحكم كان من الدروس التي تعلمها بدون قراءة مكيافالي. فجاء إلغاؤه لنظام الالتزامات وتدخله في شؤون الأوقاف، بقصد منه أم بلا قصد، ضربة معول في أساسات مركز هؤلاء العلماء السياسي ونظام المدارس الإسلامية. وقد أقام مكانهم ومكان المماليك فئة حاكمة تضم جنودًا من الأتراك والأكراد والألبانيين

<<  <   >  >>