والشراكسة، كما تضم أيضًا عددًا من الأوروبيين والأرمن وغيرهم من الملمين بسياسات أوروبا وشؤونها المالية. كذلك لم يشجع الاهتمام الشعبي بالسياسة. فقد قال له أحد الطلبة يومًا أنه درس علوم الإدارة المدنية في باريس، فأجابه بحدة:«أنا الحاكم، فأذهب إلى القاهرة وترجم المؤلفات العسكرية»(٢٦).
إلا أنه كان ذا نظرة خاصة إلى أوروبا الحديثة، كمجتمع نشيط، يستثمر موارده ويدير شؤونه استنادًا إلى العقل، ويتخذ له من القوة الوطنية معيارًا للقانون والسياسة. ومع أنه كان يتصرف أحيانًا كبطل من أبطال الإسلام العثماني، كما تصرف عندما قضى على السلطة الوهابية في الجزيرة العربية بطلب من السلطان، إلا أن سياسته على العموم كانت قائمة على المساواة الدينية. فكان المسيحيون واليهود من مختلف البلدان يدخلون مصر بالترحاب، فتضمن حقوقهم ويؤيد نشاطهم التجاري. وكان هناك أرمن بين معاونيه المقربين. وكان متيقظًا أكثر من معاصريه الأتراك إلى الأساس الحقيقي للقوة الغربية، أعني التنظيم العلمي للإنتاج. فبنى دعامة اقتصاد مصر الحديث، حين أمر بزراعة القطن زراعة كثيفة في الأراضي التي ترويها المياه. كما باشر بإنشاء جهاز جديد للنقليات وللتسويق. وحاول إنشاء صناعات حديثة، لكن نجاحه هنا كان أقل، لفقدان اليد العاملة الماهرة والسوق الداخلية. ولعله تأثر في كل هذا بأفكار أتباع سان سيمون الذين صرفوا بعض الوقت في مصر، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، يعملون في الطب والهندسة والتعليم. وقد ساعدوه في تخطيط أول عملية كبيرة حديثة من عمليات الري في مصر وفي تنفيذها: إقامة السدود على النيل. غير أنه من المستبعد أن تكون قد استهوته نظرة سان سيمون إلى المجتمع الأمثل الذي تقوده رهبنة من العلماء والذي يحل فيه نظام الحقيقة العلمية محل الأنظمة الدينية المنهارة. لكن من المؤكد أن اطراد النمو الصناعي والاقتصاد المخطط كان يلائم مصالحه الخاصة. كما كان في صالح سياسته العسكرية