تلعب دورها في السياسات المحلية، فإنها لم تكن تشترك مباشرة في حكم الإمبراطورية، ككل، إلا نادرًا. وهي لم تبدأ بتوظيف أبنائها في الإدارة المدنية عن طريق التخرج من المدارس المهنية إلا في آخر القرن التاسع عشر. وكانت علاقاتها في مطلع القرن مقتصرة على الهيئات الدينية التي كانت لا تزال مغلقة في وجه أفكار الإصلاح، إن لم نقل معادية لها. كما أنها لم تشعر، كما شعرت الطبقة المماثلة لها في مصر، بالهزة الفكرية والاجتماعية التي أحدثها الاحتلال الأوروبي. لقد حاول نابوليون أن يحتل سوريا، إلا أنه أخفق. ولو قدر له النجاح في محاولته هذه، فليس من الأكيد أنه كان يحاول تطبيق السياسة التي حاول تطبيقها في مصر، أي الاعتماد على أعيان الدين كممثلين للرأي الوطني. ففي البيان الذي وجهه إلى أهالي البلد، لم يخاطب الشعب «العربي» أو «السوري»، بل أكد مرة أخرى أنه إنما ينوي طرد المماليك (وبالمماليك كان يعني الطغمة العسكرية التي أنشأها الجزار حاكم صيدا)، واعدًا بأنه لن يلحق الضرر بالشعب أو بدينه. وهو لم يخاطب «الأمة» كما خاطب الأمة المصرية، بل خاطب فقط «سكان أقضية غزة والرملة ويافا»(٣٠).
أما سكان سوريا المسيحيون، فقد كانوا متأثرين ببعض نواحي الفكر الأوروبي. فمنذ القرن السادس عشر، كانت الكنيسة الكاثوليكية قد أقامت أولى علاقاتها النظامية بالطوائف المسيحية الشرقية. وكان المرسلون اليسوعيون وغيرهم يرسلون إلى الشرق الأدنى، لا لضم الكنائس المنشقة إلى الحظيرة الرومانية وحسب، بل لإصلاح العقيدة والنظام لدى الموارنة وأمثالهم من العناصر التي كانت تعترف بسلطة روما. وقد عقد الموارنة اتفاقية كنسية (كونكوردا) مع روما في ١٧٣٦. ومنذ ذلك الحين أقيمت معهم علاقات نظامية، كانت تضمن لهم سلطتهم الكهنوتية وطقوسهم وحقهم الكنسي وعاداتهم، كما كانت تحافظ على استقامتهم العقائدية واعترافهم