للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بسلطة البابا. وكان من نتيجة عمل الإرساليات أن نشأت، تدريجًا، طوائف متحدة مع روما من داخل الكنائس الشرقية الأخرى، كالأرثوذكسية الأرمنية والقبطية والسريانية الأرثوذكسية والنسطورية. وقد برزت هذه الطوائف، بعد صراع على السلطة في البطريركيات والمطرانيات في أوائل القرن الثامن عشر، كنائس مستقلة عمليًا، يرأس كلا منها بطريرك، مع أنها لم تحصل على اعتراف مدني من الحكومة العثمانية حتى القرن التاسع عشر.

وبفضل الإرساليات وحماية فرنسا، نشأت شبكة من المدارس الكاثوليكية في كل مكان تقطنه طوائف كاثوليكية أو قابلة لأن تصبح كاثوليكية، وبنوع خاص في لبنان وحلب. وفي قلب الكنيسة الكاثوليكية في روما تأسس عدد من المعاهد لتنشئة اكليروس كاثوليكي مثقف ومستقيم العقيدة، كالمعهد الماروني والمعهد اليوناني ومعهد جمعية نشر الإيمان.

وقد برز من الطوائف المسيحية التي أنشأتها أو عززتها الإرساليات فريق من المثقفين، وعوا عالم أوروبا الجديدة بل اعتبروا أنفسهم، بمعنى من المعاني، جزءًا منه. وقد كان الإكليروس في أواخر القرن السادس عشر مثقفًا، خصوصًا بين الموارنة والروم الكاثوليك، ذا حياة ونظام مثاليين، ذا معرفة باللغتين اللاتينية والإيطالية وبالثقافة التي كانتا مفتاحًا لها. كما كان أفراد هذا الإكليروس على معرفة أعمق من ذي قبل بلغاتهم الشرقية وآثارهم وتاريخ طوائفهم وعاداتها. وكان بعضهم، كالعلماء المشهورين من عائلة السمعاني في روما، وكالكهنة الموارنة الذين كانوا يدرسون اللغة العربية في السربون، قد أسهم إسهامًا كبيرًا في تعريف أوروبا بالشرق الأدنى. كما قام بعضهم بتوسيع آفاق طوائفهم بترجمة مؤلفات اللاهوت الكاثوليكي الغربي أو باقتباسها. فقد ترجمت «الخلاصة اللاهوتية» للقديس توما الأكويني بكاملها في مطلع القرن الثامن عشر.

<<  <   >  >>