للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الماروني اسطفانوس الدويهي (١٦٠٣ - ١٧٠٤) الذي درس في المعهد الماروني في روما، وتعلم اللاتينية والإيطالية، كما تعلم العربية والسريانية، واعتمد وليم الصوري كما اعتمد المسعودي. وقد جاء مؤلفه الرئيسي، «تاريخ الأزمنة»، في شكله، تاريخًا للكنيسة المارونية وللموارنة وبطاركتهم ورؤسائهم المدنيين، ولصراعهم ضد الهرطقة اليعقوبية، ولتدخل الحكام المسلمين. إلا أنه، في جزئه الأخير، كان تاريخًا لنشوء لبنان كوحدة جغرافية وترعرع حكمه الذاتي ووحدته. وتابع كتابة التاريخ المحلي، التي شق الدويهي طريقها، سلسلة من المؤرخين من كهنة وعلمانيين، بلغت أوجها في كتابين شاملين، يختصران تاريخ لبنان السياسي، وينطويان على عقيدة في ما هو لبنان. أولهما للأمير حيدر الشهابي (١٧٦١ - ١٨٣٥) الذي كتب تاريخًا للبلاد جاء بالحقيقة تاريخًا للعائلة الشهابية. وقد عاونه في ذلك عدد من المؤرخين، أحدهم طنوس الشدياق (١٧٩٤ - ١٨٦١). وثانيهما لهذا الأخير نفسه، وهو تاريخ للأسر المارونية والدرزية والمسلمة البارزة في لبنان. وقد بدا لبنان فيه وكأنه جهاز هرمي من الأسر، تغلبت فيه المحالفات العائلية والمصلحة العامة على الفوارق الدينية للحؤول دون مدخلات العثمانيين (٣١).

لم يكن حيدر الشهابي غافلًا عن تاريخ أوروبا. فهو، بالعكس، يقطع روايته المحلية ليصف الثورة الفرنسية واحتلال بونابرت لمصر. وكانت الثورة، في نظره، كما كانت في نظر المؤرخين الأتراك في زمانه، عملًا هدامًا قبل كل شيء، إذ كانت عصيانًا على سلطة الملك الشرعية. إلا أننا نلمس لديه بعض الإحساس بالعقائد الإيجابية الكامنة وراء الثورة، ذلك الإحساس الذي دخل لبنان مع التجار اللبنانيين الذين كان لهم اتصال بالجيش الفرنسي في مصر، أو ممن تعاطوا أعمال الترجمة. كذلك نجد، لدى كاتب من الجيل اللاحق، سجلًا لفكر عصامي تنبه للأفكار العلمية والنظريات التي انبثقت عن عصر التنور الفرنسي. هذا الكاتب هو مخايل مشاقة

<<  <   >  >>