(١٨٠٠ - ١٨٨٨) الذي ولد من أصل يوناني في قرية لبنانية وتربى في مدينة دير القمر الجبلية الصغيرة. كانت عائلته على شيء من الثقافة، إذ كان أبوه مدرسًا للعلوم. إلا أنه تثقف خصوصًا على نفسه، مدفوعًا إلى ذلك بملكه حب الاستطلاع الذي استفاق لديه في وقت باكر من عمره وأطلق فكره بعيدًا إلى ما وراء حدود قريته. وهو يروي بشكل طريف كيف اهتدى، عن طريق خال له من مصر، إلى الرياضيات والعلوم الطبيعية، حين لم يكن في دير القمر أحد يعرف من علم الحساب أكثر من عملية الجمع (٣٢).
كان محمد علي، ككل حكام مصر الأقوياء، يريد على حدوده الشرقية نظام حكم مؤيد أو مطيع له. وقد تمكن من بلوغ مأربه هذا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. فبعد أن أنشأ جيشًا من القوة بحيث يقدر على قمع أي مقاومة من مولاه السلطان، وعلى تعزيز نفوذه في وجه حكام سوريا المحليين، بعث بجنوده في ١٨٣١ إلى سوريا، فاحتلها دون صعوبة تذكر. وحكم ابنه إبراهيم باشا سوريا طيلة عشر سنوات تقريبًا. وهنا، كما في مصر، سجل عهد محمد على مرحلة جديدة من مراحل التعرف إلى أوروبا. فغدت البلاد أكثر ترحيبًا بالأوروبيين من المسافرين والمستوطنين والتجار والمرسلين والمراقبين المستطلعين. وقد وضعت البلاد، لمدة عشر سنوات، تحت إدارة من نوع جديد، قائم على المبادئ التي بثتها حكومة فرنسا الثورية: المركزية، وجيش مدرب ومنضبط، والاستثمار العلمي للموارد الطبيعية، والمساواة بين أتباع جميع الأديان. ويبدو أن محمد علي أصر فعلًا على المساواة بين المسيحيين والمسلمين في سوريا أكثر مما فعل في مصر، فجلسوا جنبًا إلى جنب في المجالس المحلية التي أقامها، واستخدم جنودًا مسيحيين من لبنان لإخماد الثورات الدرزية والنصيرية. وكان لإبراهيم مستشاران رئيسيان هما المثري المسيحي حنا البحري، وأمير لبنان بشير الشهابي. وكانت معتقدات هذا الأخير غامضة، لكنه اعتمد على مؤازرة الموارنة ومات كاثوليكيًا.