خمسة رؤساء ينتخبون بأكثرية الأصوات في كل إقطاعه، ويعقدون كلهم أو بعضهم مجلسًا في مكان مناسب للاتفاق على وضع إدارة منظمة ... ويقتضي أن تكون روابط أعضاء هذا المجلس مع بعضهم متواصلة ليتسنى لنا اتخاذ التدابير العاجلة لحماية مواطنينا المحدق بهم الخطر وإنقاذًا لأنفسنا من العبودية والظلم وإخفاقًا لجميع مؤامرات وحيل سلطة مكروهة تقصر عن تفريقنا عن بعضنا. وقد سبق لليونان أن كانوا أحسن قدوة لنا فحصلوا على حريتهم وكان الله معينهم» (٣٤).
بالرغم من ذكر اليونان، لم يكن في هذا البيان دعوة إلى الاستقلال. فالثورة قامت بمساعدة الدول الكبرى التي كانت سياستها ترمي إلى إعادة نفوذ السلطان العثماني إلى سوريا. كما أن الثوار صرحوا عن طاعتهم وخضوعهم للسلطان عن طيبة خاطر (٣٥). إلا أن البيان نفسه كان ينطوي ضمنًا على فكرة الحرية، والذين أصدروه كانوا على علم من أين أتتهم هذه الفكرة. إذ أنهم وجهوا، في الوقت نفسه، نداء إلى السفير الفرنسي يطلبون منه أن يتخلى عن دعمه لمحمد علي يساعدهم على الانعتاق من جوره بقولهم:«إن فرنسا، الأمة العظيمة، المشهورة بكرم أخلاقها، الناشرة في كل مكان أعلام الحرية، المريقة الدماء في مدى قرون طويلة لتأييدها في حكومتها، تأبى علينا اليوم مدنا بنفوذها الفعال للتمتع بمثل هذه النعمة! »(٣٦).
وقد أسفر الأمر عن انسحاب إبراهيم باشا وجيشه إلى مصر، وعودة الحكم العثماني، وخلع الأمير بشير واستبداله بعضو ضعيف من عائلته. وبعد ذلك بقليل، خلع الأتراك الأمير الجديد، وأزالوا الإمارة، وقسموا لبنان إلى قائمقاميتين يحكم إحداها ماروني والأخرى درزي. ثم تبع ذلك أزمة استمرت عشرين عامًا، أضاف فيها تزايد النفوذ الأوروبي وانتشار الأفكار الغربية بعدًا جديدًا على أبعاد النزعات المحلية. فقد أدى زوال إطار الوحدة السياسية، والتدخل