البريطاني والفرنسي، ومحاولات الحكومة التركية فرض حكم مباشر على لبنان. بالإضافة إلى التدابير التي كان قد اتخذها الأمير بشير أثناء حكمه لإضعاف شوكة أعيان الدروز، إلى خلق توتر بين الطوائف لم يسبق له مثيل من قبل. إلا أن ذلك التوتر الطائفي كان ينطوي أيضًا على شيء آخر، حمل في طياته بذور تململ اجتماعي وفكري. ذلك أن التوازن الاجتماعي بين الدروز والموارنة كان على تحول، كما كان التوازن الداخلي في قلب الطائفة المارونية نفسها على تحول أيضًا. فقد رأت عائلات الجبل الإقطاعية أن سلطتها المحلية أخذت تنهار شيئًا فشيئًا بفعل تحديين: تحدي الإكليروس الذي كان يستعمل أحيانًا نفوذه المتزايد لدعم الفلاحين في نزاعهم مع أسيادهم؛ وتحدي تجار المرفأ الأوروبيين والشرقيين معًا الذين كانوا يستوردون البضائع المصنوعة ويصدرون الحرير ويستولون تدريجًا على وظائف الملاكين الاقتصادية. ثم إن الطبقة المسيحية المثقفة كانت تتكاثر بسرعة. فالإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية كانت في أيام المصريين تعمل بحرية أوسع من قبل، فتنشئ المدارس على نطاق أوسع وعلى مستوى أرفع، وتؤلف كتبًا مدرسية وتترجمها وتطبعها على مطابعها. فخرجت من المدارس طبقة جديدة من المثقفين اتقنت إلى جانب اللغة العربية لغة أو أكثر من اللغات الأوروبية، واطلعت، بقصد من أساتذتهم أم بغير قصد، على أفكار القرن التاسع عشر.
كان، إذن، لهذا التوتر وللأزمة التي أدى إليها وجهان: كفاح الدروز للاحتفاظ بسيطرتهم التقليدية، وكفاح أعيان الموارنة ضد قوى التغير. وكان قد سبق النزاع الديني في ١٨٦٠ نزاع اجتماعي. ففي ١٨٥٨، ثار فلاحو قضاء كسروان الماروني الصرف ضد أسيادهم من عائلة آل الخازن، فطردوهم، في أوائل ١٨٥٩، بقيادة البطل القروي طنوس شاهين، وأقاموا «حكومة جمهورية» بنظام بدائي للتمثيل الشعبي (٣٧). ثم نشبت الحرب بين الموارنة والدروز في ١٨٦٠، فأدت إلى انتصار الدروز،