وتذبيح المسيحيين في دمشق. إذ ذاك تدخلت الدول الكبرى، فرنسا بجيشها، والدول الأخرى بدبلوماسيتها. وبعد مناقشات جرت في بيروت والقسطنطينية، وضع نظام أساسي للبنان، أنهى النزاع الاجتماعي والديني معًا، إذ تم الاتفاق على أن يحكم لبنان متصرف مسيحي يعينه الباب العالي، على أن تعاونه مجالس مركزية ومحلية تمثل مختلف الطوائف وتنتخب انتخابًا بعد التشاور، وعلى أن تتمثل فيها الطوائف بالتساوي، وعلى أن يكون جميع الأفراد متساوين أمام القانون، وعلى أن تلغي جميع الامتيازات «الإقطاعية»(٣٨).
أما في الغرب، فكانت ولاية تونس تابعة للسلطان منذ القرن السادس عشر، إلا أنها سرعان ما أصبحت مستقلة فعلًا، تدفع الجزية، لكنها تدير بنفسها شؤونها الخاصة، وإلى حد بعيد، علاقاتها الخارجية. وقد مارس السلطة، منذ القرن السابع عشر، فريق عسكري محلي، ومنذ القرن الثامن عشر، عائلة آل الحسيني، التي انبثقت من هذا الفريق وشغلت منصب الباي. وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر، واجه الباي انحطاطًا في النظام والأمن واتساعًا في النفوذ التجاري الأوروبي، فسارع إلى استعادة سلطته بإنشاء جيش حديث، وبتغيير أساليب الإدارة، وبتشجيع التجار الأجانب على الإقامة في البلاد لتأمين المال الضروري للجيش وللإدارة. وقد نجم عن ذلك مشاكل جديدة، إذ أفسحت مصالح الأجانب والمرابين المتزايدة مجالًا لتدخل الدول، وأصبح ضباط الجيش الحديث حملة أفكار سياسية جديدة. فقام محمد باي، لإزالة الشكاوى المشروعة الصادرة عن الجماعات الأجنبية، ولاجتذاب تأييد أصحاب الأفكار الجديدة، ولتثبيت جذور الولاء للحكم لدى جميع فئات الشعب، بإعلان إصلاح من عنده على غرار الإصلاح التركي، دبج مبادئه في «عهد الأمان» الصادر في ١٨٥٧. وقد بدأ هذا الإعلان بالإشارة إلى المصلحة العامة كمبدأ من مبادئ تفسير الشرع: «الحمد لله ... الذي جعل العدل لحفظ نظام العالم كفيلًا، ونزل