للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• فمثلًا: ذكر حديث رقم (١٣٥) وعدة أحاديث قبله، وفيه أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فال: "ما بَالُ رجالٍ يقولون: إنَّ رَحِمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تَنْفَعُ قومَه يومَ القيامة! بلى واللَّهِ، إنَّ رَحمِي مَوصُولةٌ في الدُّنيا والآخِرَة، وإنِّي أيُّها النَّاس فَرَطٌ لكم على الحَوْضِ".

فهذا الحديث وما كان في معناه يدلُّ على أن أهل بيت النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ينتفعون من انتسابهم إليه -صلى الله عليه وسلم-. ولمَّا كان هذا الأمر يتعارض مع أحاديث كثيرة صحيحة، حاول المؤلف الجمع بين الأدلة.

كحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لمَّا أنزلت هذه الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} (١)، دعا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قريشًا، فاجتَمَعُوا، فَعَمَّ وخَصَّ، فقال: "يا بني كعب بن لؤي! أنقِذُوا أنْفسَكم من النَّار. إلى أنْ قال: ... يا بني هاشم! أنْقِذُوا أنفسَكم من النَّار. يا بني عبد المطَّلب! أنْقِذُوا أنفسَكم من النَّار. يا فاطمة! أنْقِذِي نَفْسَك من النَّار، فإنِّي لا أملكُ لكم من الله شيئًا، غيرَ أنَّ لكم رَحِمًا سَأبُلُّهَا بِبِلالِهَا" (٢).

وفي بعض الأحاديث قال عليه الصَّلاة والسَّلام: "يا عائشة بنت أبي بكر! يا حفصة بنت عمر! ويا أُمَّ سلمة! ويا أُمَّ الزُّبير عمَّةَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! اشتروا أنفسَكم من النَّار، غير أنَّ لكم رَحِمًا سَأبُلُّها بِبِلَالِهَا" (٣).

فيأتي المؤلف ليجمع بين هذه الأحاديث المتعارضة، بأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لأحد من الله شيئًا، لا نفعًا ولا ضرًّا، لكنَّ الله عزَّ وجلَّ يُمَلِّكُهُ نَفْعَ أقاربه وأُمَّتِهِ بالشَّفَاعَة، ولهذا وقع الاستثناء -في الرِّواية التي ساق المؤلف لفظها- بقوله: "غير أنَّ لكم رَحِمًا سَأبُلُّهَا بِبِلَالِهَا"،

أو كان المقام في مثل حديث: "يا فاطمة! أنقذي نَفسَك من النَّار، فإنِّي لا أملكُ لكم من الله شيئًا"، مقام التَّخويف والتَّحذير، فبالغ -صلى الله عليه وسلم- في الحثِّ على العمل، وحينئذٍ فيكون في قوله: "لا أُغني شيئًا"، إضمار "إلَّا إن أذِنَ اللَّهُ لي في الشَّفاعة".

وقيل: إنَّ هذا كان قبل أن يُعلِمَه الله عزَّ وجلَّ بأنه يشفعُ فيمن أراد، وتُقبلُ شفاعتُه حتى يُدخِلَ قومًا الجنةَ بغيرِ حسابٍ، ويرفَع درجات آخرين، ويُخرِجَ من النَّار من دخلها بذنوبه ... وهذا الكلام من أحسن ما جُمعت به النُّصوص في هذه القضية.


(١) الشعراء (آية: ٢١٤).
(٢) انظر: حديث رقم (١٣٦).
(٣) انظر: حديث رقم (١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>