للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسائر العشرة وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب، وكان في العرب من السَّابقين الأولين من لا يوجد له نظير في سائر الأجناس.

فلا بدَّ أن يوجد في الصِّنف الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول، وقد يوجد في المفضول ما يكون أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل، كما أنَّ الأنبياء الذين ليسوا من العرب أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء، والمؤمنون المتقون من غير قريش أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم في الإِيمان والتقوى، وكذلك المؤمنون المتقون من قريش وغيرهم أفضل ممن ليس مثلهم في الإِيمان والتقوى من بني هاشم.

فهذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقًا (١)، ودون من ظنَّ أنَّ الله تعالى يُفضِّل الإِنسان بنسبه على مَن هو مثله في الإِيمان والتقوى، فضلًا عمَّن هو أعظم إيمانًا وتقوى، فكلا القولين خطأ، وهما متقابلان.

بل الفضيلة بالنَّسب فضيلة جملة، وفضيلة لأجل المظنَّة والسبب، والفضيلة بالإِيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية، فالأول يُفضَّل به لأنه سبب وعلامة, ولأنَّ الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد. والثاني يُفضَّل به لأنه الحقيقة والغاية، ولأن كلَّ من كان أتقى لله كان أكرم عند الله، والثواب من الله يقع على هذا، لأنَّ الحقيقة قد وُجدتْ، فلم يُعلّق الحكم بالمظنة، ولأنَّ الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فلا يستدل بالأسباب والعلامات.

ولهذا كان رضا الله عن السَّابقين الأولين أفضل من الصَّلاة على آل محمد، لأنَّ ذلك إخبار برضا الله عنهم، فالرِّضا قد حصل، وهذا طلب وسؤال لِمَا لم يحصل. ومحمد -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر الله عنه أنه يُصلِّي عليه هو وملائكته بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (٢)، فلم تكن فضيلته بمجرد كون الأُمَّة يُصلُّون عليه، بل بأن تعالى وملائكته يصلُّون عليه بخصوصه، وإن كان الله وملائكته يصلُّون على المؤمنين عمومًا، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (٣)،


(١) كالشُّعوبية الحاقدة, والشُّعوبيون: هم الذين لا يحبُّون العرب, ولا يقرون بفضلهم, سمُّوا بذلك لأنهم ينتصرون للشعوب الأخرى غير العرب. انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" (١/ ٣٧٦)، "القاموس المحيط" (ص ٩٥)، مادة (شَعَبَ).
(٢) الأحزاب (آية: ٥٦).
(٣) الأحزاب (آية: ٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>