للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويصلُّون على معلِّمي الناس الخير، كما في الحديث: "إنَّ الله وملائكته يصلُّون على معلِّمي الناس الخير" (١). فمحمد -صلى الله عليه وسلم- لمَّا كان أكمل الناس فيما يستحقّ به الصَّلاة من الإِيمان وتعليم الخير وغير ذلك. كان له من الصَّلاة عليه خبرًا وأمرًا خاصية لا يوجد مثلها لغيره -صلى الله عليه وسلم-.

(فبنو هاشم لهم حقّ وعليهم حقّ، والله تعالى إذا أمر الإِنسان بما لم يأمر به غيره، لم يكن أفضل من غيره بمجرد ذلك، بل إنَّ امتثل ما أمر الله به كان أفضل من غيره بالطاعة، كولاة الأمور وغيرهم ممن أمر بما لم يُؤمر به غيره، مَن أطاع منهم كان أفضل، لأنَّ طاعته أكمل، ومن لم يُطع منهم كان مَنْ هو أفضل منه في التقوى أفضل منه) (٢).

"فالصَّلاة على آل محمد حقٌّ لهم عند المسلمين، وذلك سبب لرحمة الله تعالى لهم بهذا النَّسب، لأنَّ ذلك يوجب أن يكون كلّ واحد من بني هاشم لأجل الأمر بالصَّلاة عليه تبعًا للنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أفضل ممن لم يصلِّ عليه، ألا ترى أنَّ الله تعالى قال لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (٣).

وفي "الصحيحين" (٤) عن ابن أبي أوفى أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلَّى عليهم، وإنَّ أبي أتاه بصدقته فقال: "اللهم صلِّ على آل أبي أوفى". فهذا فيه إثبات فضيلة لمن صلَّى عليه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ممن كان يأتيه بالصَّدقة، ولا يلزم من هذا أن يكون كلّ من لم يأته بصدقة لفقره دون من أتاه بصدقة وصلَّى عليه، بل قد يكون من فقراء المهاجرين الذين ليس لهم صدقة يأتونه بها مَن هو أفضل من كثير ممن أتاه بالصَّدقة وصلَّى عليه، وقد يكون بعض من يأخذ الصَّدقة أفضل من بعض من يعطيها، وقد يكون فيمن يعطيها أفضل من بعض من يأخذها، وإنْ كانت اليد العليا خيرًا من اليد السُّفلى.

فالفضيلة بنوعٍ لا يستلزم أن يكون صاحبها أفضل مطلقًا، ولهذا في الأغنياء مَنْ هو أفضل من جمهور الفقراء، وفي الفقراء مَنْ هو أفضل من جمهور الأغنياء،


(١) أخرجه الترمذي (٤/ ١٥٤)، وغيره.
(٢) ما بين القوسين من كلام شيخ الإسلام في "منهاج السُّنَّة النَّبويَّة" (٤/ ٦٠٢، ٦٠٥).
(٣) التوبة (آية: ١٠٣).
(٤) البخاري (٣/ ٣٦١، مع الفتح)، رقم (١٤٩٧)، كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام ودعائه الصدقة. ومسلم (٢/ ٧٥٦)، رقم (١٠٧٨)، في الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بالصدقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>